لا أظنه يخفى على جلالة وفخامة ومعالي وسيادة ملوكنا وسلاطيننا ورؤسائنا وأمرائنا وحكامنا، أن مواطنيهم العرب، من الخليج الثائر حتى المحيط الهادر، أو العكس، لا فرق، لا يعولون كثيرا على هذه القمم، وأن هؤلاء المواطنين الراتعين حتى آذانهم في مشاغلهم وهمومهم ومصائبهم، والجري وراء لقمة عيشهم، لا يكترثون كثيراً وهم المختنقون في القاع لانعقاد القمم، فالمسافة البعيدة جدا ما بين القمة والقاع عوّدتهم أن أهل القمة لا يدرون ولا يكترثون لأحوال أهل القاع! نقول هذا للتذكير بما هو معلوم، لا أكثر ولا أقل.

Ad

***

عقد القمم، وبعيدا عن النتائج الإنشائية لهذه القمم، وتوصياتها وبياناتها الختامية المكررة، هو نشاط إعلامي جميل، يعطي القنوات الفضائية والصحف والكتّاب، من أمثالي، مادة جيدة للتناول والاستهلاك، ولكن ما يزعج حقا هو أن تأتي هذه القمم لتشاكس إحداها الأخرى، ولتتعارض مع بعضها بعضا، وليتطاول بعض المسؤولين هنا على المسؤولين هناك، حينها تستحيل بعض القمم قيعانا، ويصبح الجلوس في الأعلى ما هو في الحقيقة إلا انحدار إلى الأسفل!

***

هل تعلمون أن القمة الاقتصادية المنعقدة عندنا في الكويت هي في الحقيقة قمة اقتصادية تنموية واجتماعية، وبالرغم من ذلك فإن الجميع يشيرون إليها بالقمة الاقتصادية فقط، ولا عزاء للتنمية وللشؤون الاجتماعية، وكأن عالمنا العربي خالٍ من المشكلات التنموية وتعيش شعوبه في أبهى الأوضاع الاجتماعية؟! لا ألوم أحدا على الاقتصار على لفظ «الاقتصادية» عند الإشارة إلى القمة، فالمصاب الاقتصادي الذي بطش بالجميع مصاب جلل، لكن الظريف هو أن الجميع بمن فيهم المتخصصون في الاقتصاد لا يرتجون كثيرا من هذه القمة أو غيرها، لكن وكما يقولون في الأمثال وتماشيا مع الظروف الاقتصادية ونزعة التقشف العالمي سأقول «يا خبر بفلوس، بكرة ببلاش»!

***

تصريح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان شلح: «بأن دم الشعب الفلسطيني ليس سلعة تناقش كالدولار والبترول بل هو دم يستحق عنوانا مستقلا للعزة والكرامة لا أن يكون بجوار البورصات والأسهم»، وذلك في إشارته إلى طرح موضوع الأوضاع في غزة خلال القمة في الكويت، ومع كامل الاحترام والتقدير للدم الفلسطيني، ومع صدق الإحساس بالألم الذي يعانيه الأخ شلح والشعب الفلسطيني، هو تصريح خال من الحصافة السياسية!

أفترض أن مثل الأخ شلح يدرك مدى التخاذل العربي، وأفترض أنه يدرك بألا طائل من وراء العنتريات في هذا الواقع الذي نعيشه، وأن السياسة في نهاية المطاف ما هي إلا فن الممكن، لذلك كان الأجدر به أن يتذكر بأن الكويت كانت ومازالت وستظل في مقدمة الدول الداعمة للحق وللشعب الفلسطيني، وذلك من باب الواجب الشرعي القومي الذي لا منّة فيه، في حين قلبت كثير من الدول العربية والإسلامية لهذه القضية وأهلها ظهر المجن.

كان الأجدر بشلح وهو من قبل أن يكون في هذا الموقع السياسي، ألا ينطق إلا بالحكمة والموضوعية علها توصله إلى التخفيف من المعاناة الساحقة التي يعيشها أهل غزة، فالمجال ليس مجال جدل سفسطائي، وقمة الكويت كانت قمة معداً لها سلفا من قرابة العامين، فما الضرر أن تستغل الفرصة لحشد الدعم لأهل غزة من خلالها، وأي حكمة في الإصرار على عنوان مستقل للموضوع لمجرد ألا يكون بجوار البورصات والأسهم؟!