بعدما قال القضاء كلمته الفصل في قضية التأبين لابد من وقفة تأمل طويلة لمراجعة أمهات المسائل التي تنذر بمزيد من التدهور والتفتيت والتشتت في البنية الاجتماعية والسياسية، ولعل ما جاء في ثنايا حيثيات الحكم القضائي من عبارات رائعة تكون نبراساً ودروساً للمستقبل، فعندما تقول السلطة القضائية وبكل ثقة إن الكويت دولة مؤسسات وواحة لحرية التعبير عن الرأي، فهي بذلك تقنن العلاقة بين أفراد المجتمع الواحد وتنظم معنى الخلاف والاختلاف في وجهات النظر، وتلقننا درساً بليغاً في كيف يجب أن نختلف. ومن هنا، فإن تبرئة الإخوة من تهمة التأبين لا تغير القناعة في نزاهة وطنيتهم وتاريخهم المخلص وشخصياتهم الموقرة أساساً، وإذا كان من خلاف حول أصل موضوع التأبين أو مواءمته أو تبعاته فكان حرياً أن يبقى في حدود الرأي والرأي الآخر وفي إطار المواقف السياسية بعيداً عن تهم التخوين والتعميم الذي وقع خلالها المجتمع برمته فريسة التضليل الإعلامي.

Ad

وكما ساهمت بعض أجهزة الإعلام والصحافة في خلق أجواء الفتنة والتمزق وركبت بعض القوى السياسية والاجتماعية والشخصيات العامة موجة الدور السلبي في عملية هدم أركان المجتمع وبث سموم الفرقة والكراهية بين أبنائه، فإن هذه المكونات مطالبة اليوم لتقف أمام مسؤولياتها لرسم معالم الإخوة في الوطن والشراكة في بناء الدولة التي بدأت تتهاوى أمام مرأى ومسمع الجميع.

وإذا كان من تأبين فينبغي أن يكون للواقع الذي نعيشه اليوم في ظل عجز الحكومة عن التصدي لدوي السقوط الذريع للبورصة واهتزاز النظام المالي والمصرفي ووقوفها مكتوفة الأيدي للتدخل المسؤول في دلالة واضحة على أنها لا تمتلك عقلية الإدارة الناجحة والقادرة على إيجاد الحلول المناسبة، بل والسكوت في ذروة الأزمة عن العبث المنظم لبعض أصحاب النفوذ في إنقاذ أنفسهم أو في استغلال الفوضى المالية للانتفاع الشخصي على حساب غرق الدولة ورعاياها.

وإذا كان من تأبين فيجب أن يكون للحالة التي وصلنا إليها من العجز عن تطبيق قوانين الرياضة بعد صدورها بثلاث سنوات وفقدان هيبة الدولة وتعليق نشاطها دون أن يرف جفن للمسؤولين على ضياع مستقبل الشباب الرياضي.

وإذا كان من تأبين فالأفضل أن يقام للوضع التعليمي الذي بدأ الفساد ينخر في عظامه وانعدمت الرؤية التربوية في إعداد أنظمة تعليمية بدءاً من رياض الأطفال وانتهاءً بالجامعات ومروراً بالتعليم الخاص والمهني والدراسة في الخارج التي تحولت إلى بقالات لبيع الشهادات على أبنائنا الذين وصلت أعدادهم في دول العالم إلى ضعف عدد طلبة جامعة الكويت!

وإذا كان من تأبين فحري أن يكون لأوضاع الصحة العامة حيث يحتاج مريض السرطان لواسطة لتلقي العلاج في الخارج بينما تعج مدن أوروبا بالمصطافين على حساب الدولة، وأن تكون الملوثات البيئية المتزايدة كفيلة بتفشي الأمراض الفتاكة في المستقبل القريب في ظل السبات العميق لأصحاب الشأن لهذا الملف الخطير.

وإذا كان من تأبين فيجب أن يكون لحالة بعض الوزراء الذين تركوا الحبل على الجرار وأهملوا شؤون الناس وراحوا يتهافتون على تعيين أقاربهم ومواليهم في المناصب القيادية على حساب معايير الكفاءة والموضوعية في سباق مع الزمن قبل رحيلهم لقصر عمر الحكومة.

وإذا كان من تأبين لكل ما سبق فلابد أن يكون لوداع الطفرة المالية وفوائض المليارات التي عصفت بأحلام التنمية وتحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري، وللتهمة الجاهزة لكل من يقول لمثل هذا الكلام بأنه يسعى وراء التصعيد والتأزيم وإدخال البلد في نفق مظلم!