لنتذكر دائما أن الديون المستحقة على العراق هي حق للشعب الكويتي، وبيده قرار إسقاطها، عبر ممثليه في مجلس الأمة، فإن كانت هناك نية للحكومة أن تكون كريمة ومتسامحة وتسقط القروض عن أحد، فلتسقط قروض مواطنيها البسطاء، ولتحسِّن من وضعهم المعيشي الآخذ في التردي، فهم أحق الناس بهذا التسامح والكرم والطيبة!سقط أول حجر من أحجار الدومينو في قضية الديون العراقية، وسيتبعه أحجار أخرى على ما يبدو، فقد أسقط الإخوة في الإمارات «بجرة قلم» ديونهم المستحقة على العراق، التي بلغت السبعة مليارات دولار تقريباً، وهو حق مشروع لهم، وشأن خاص بهم، لا دخل لنا به، ولا يعنينا من قريب أو بعيد، فلكل دولة وضعها الخاص وحساباتها الخاصة، ولذلك، نتمنى ألا يختلط الأمر على حكومتنا فتتبع سياسة «حشر مع الناس عيد»، وتتسرع باتخاذ قرار غير مدروس وغير منطقي، بدافع من «الشهامة العربية» لإسقاط القروض العراقية، فوضعنا يختلف عن وضع بقية الأشقاء في الخليج، فنحن فقط مَنْ تم غزوه ومحوه من الخارطة، ونحن من عاني ويلات الاحتلال، ومن استُشهد وأُسِرَ وعُذِّب أبناؤه، ودُمِّرت ممتلكاته، واستُنزِفت قدراته، ووهن اقتصاده، وتعطلت مسيرة تنميته بسبب هذا الغزو سنوات، حتى أصبحنا نقبع في المركز الأخير خليجياً على الصعد كافة، وبلا منازع!.
لنكن أكثر صراحة مع أنفسنا ومع الآخرين، ولنبتعد عن المجاملة في مثل هذه المسائل، فلا يجوز بأي حال من الأحوال، أن يتم مكافأة الأشقاء العراقيين على غزوهم لبلدنا، بإسقاط الديون أو التعويضات عنهم، خصوصا أن منهم مَنْ لايزال يهمز ويلمز بمسألة الحدود، ويتباكى على النفط الذي يزعمون أنه يتسرب لنا من حقولهم، ولا يغرنّكم تبرؤهم الدائم من الغزو، فما هو إلا تبرؤ من تبعاته، وتحججهم المستمر بأن الشعب العراقي لا ذنب له في الغزو، وأنه كان من فعل صدام حسين وحده، لأنه «كلام فارغ». فالغزو كان «عراقياً» قبل أن يكون «صدامياً»، وصدام حسين لم يدخل شخصياً الكويت ويعيث بها فساداً، بل دخلها عبر نصف مليون عراقي «مشكَّلين» من الأصناف كافة، حرس جمهوري، وجيش نظامي، وجيش شعبي، عدا اللصوص المدنيين الذين دخلوا بعدهم، وسرقوا كل شيء تقع عليه عيونهم، مما خفَّ وزنه وغلا ثمنه!.
ثم إن العراق دولة نفطية غنية ومتعددة الموارد، وموازنته العامة تفوق موازنة الكويت «الاستثنائية» لهذا العام، وهذا يدل على تمتعه باقتصاد متين، وهو ليس إحدى الدول الإفريقية البائسة الفقيرة حتى يستجدي الدول الخليجية لتسقط قروضها عنه، ولقد كان بإمكان الإخوة العراقيين أن ينهضوا باقتصادهم خلال السنوات الخمس الماضية، في ظل الأسعار العالية للنفط التي لن تتكرر أبداً، لكن المسؤولين والمتنفذين هناك تفرغوا لنهب خيرات وطنهم بدلا من إعادة بنائه، وتقاسموا مليارات الدولارات في أكبر سرقة منظمة عبر التاريخ، بل أصبح بعضهم أكثر فساداً من رجال عهد صدام البائد، الذي لو كان يعلم بتمتعهم بهذه «المواهب»، لضمهم إلى مجلس قيادة الثورة فوراً!
نرجو من حكومتنا التي ظلت لسنوات تبث لنا عبر التلفزيون لقطات من الغزو، تختمها بجملة «حتى لا ننسى»، ألا تكون «أول مَنْ ينسى» حقوقها، وأن تتمسك باستقلالية القرار، ولا ترضخ لأي ضغوط خارجية في هذا الأمر، وأن توضح للجميع أن وضعنا في الكويت مختلف عن الآخرين، وهو كذلك بالفعل، فنحن مَنْ تضررنا ودفعنا الثمن الأكبر للحماقات العراقية، ولكي يدرك قادة العراق الحاليون ومَنْ سيتبعهم، أن لغزو البلدان ثمناً باهظاً يتعين دفعه، حتى يفكروا ألف مرة، قبل أن يعاودوا الكَرّة!
ولنتذكر دائما أن هذه الديون حق للشعب الكويتي، وبيده قرار إسقاطها، عبر ممثليه في مجلس الأمة، فإن كانت هناك نية للحكومة بأن تكون كريمة ومتسامحة وتسقط القروض عن أحد، فلتسقط قروض مواطنيها البسطاء، ولتحسِّن من وضعهم المعيشي الآخذ في التردي، ولتحسِّن الخدمات التي تقدمها لهم، فهم أحق الناس بهذا التسامح والكرم والطيبة!