د. صلاح الفضلي وعقدة التحالف!
كتب الزميل والأخ العزيز د. صلاح الفضلي مقالاً عن التحالف الإسلامي الوطني في مرحلة ما بعد قضية التأبين الشهيرة، إذ رأى أن تحولاً جذرياً طرأ على سياسة التحالف بسبب دخوله الحكومة لأول مرة عن طريق د. فاضل صفر، إضافة إلى مواقف عدة كان أبرزها، تصويت نائبيه سيد عدنان عبدالصمد وأحمد لاري ضد اقتراح زيادة رواتب المتقاعدين وإلغاء سقف الـ1000 دينار لزيادة الـ50 ديناراً على رواتب المواطنين، وتساءل الدكتور عما إذا كانت هذه المواقف المهادنة هي ضريبة تمثيلهم في الحكومة ونتيجة لعقدة التأبين المحتملة؟في البداية دعوني أؤيد الأخ الدكتور في أن التحالف مازال يفتقر إلى آلية إعلامية واضحة يستطيع من خلالها شرح مواقفه سواءً لكوادره العريضة أو لعامة المواطنين، وهو بلا شك مقصر في هذا الجانب، كما أتفق مع الدكتور على أن التأبين كان منعطفاً وضّح الكثير من الحقائق وكشف عن صورة جديدة للتعامل مع مختلف الأمور، لكنه في النهاية يظل عاملاً من بين عوامل عدة تحكم قرارات التحالف ولا يرتقي بأي حال من الأحوال إلى أن يكون «عقدة» تحكم مواقفه، كما ألمح الدكتور.
لكن ليسمح لي الدكتور الفضلي أن أختلف معه في نقاط عدة أعتقد أنه قد جانبه الصواب فيها. فمن حيث المبدأ ليس كل مَن يتوافق مع الحكومة على قوانين عديدة يُعد حكومياً، وليس كل مَن يعارض الحكومة يعد معارضاً، ولم يكن نواب التحالف في يوم من الأيام معارضين من أجل المعارضة، بل لم يكونوا معارضين للحكومة على الدوام، وهناك الكثير من الشواهد على ذلك أشهرها استجواب الوزير أحمد الربعي، رحمه الله، إذ لم ينقذه من طرح الثقة سوى صوتي سيد عدنان ود. عبدالمحسن جمال لعدم اقتناعهما بمحاور الاستجواب، هذا إضافة إلى تصويت سيد عدنان ولاري ضد طرح الثقة بالوزيرة نورية الصبيح الذي سبق قضية التأبين بمدة.أما بالنسبة للقروض وصندوق المعسرين فكان موقف النائبين أيضا قبل التأبين بعدة أشهر لقناعتهما بأهمية التوافق مع الحكومة بشأن هذا الاقتراح حتى يتم مساعدة المثقلين بالديون في أسرع وقت، وذلك لرفض الحكومة لمقترح النائب راعي الفحماء وزيادة «الخمسين» التي قصمت ظهر البعير وأدت إلى حلّ المجلس، وهو الأمر الذي حذّر النائبان من حدوثه لأن المتضررين من الديون كانوا هم الخاسرين وحدهم من عدم حسم الموضوع آنذاك. وقد أشار الدكتور أيضا إلى رفض النائبين لزيادة رواتب المتقاعدين، وهو عكس الحقيقة تماماً. فلتعد يادكتور إلى مضابط الجلسات لتعرف أن النائبين كانا المبادرين لتضمين المتقاعدين بزيادة «الخمسين» إضافة إلى جعلها حقاً مكتسباً لكل المستفيدين منها من دون استقطاعها إذا حصلوا على علاوات أخرى. هذا إضافة إلى إدخال تعديلات على صندوق المعسرين، ومطالبتهما بتطبيق قانون سنة 82 بربط المعاشات مع التضخم كل سنتين بدلاً من الدخول في دوامة تشريع الزيادات كل فترة.أما بالنسبة إلى تأييدهما لسقف الألف دينار... فهو ليس بدعة، بل هي سياسة متبعة في كثير من الدول الغربية، لكن بصورة مختلفة، إذ تزيد ضرائب الفرد بزيادة مدخوله، كما تقوم الحكومات عادة في الأزمات الاقتصادية بخفض الضرائب عن الطبقة الفقيرة أو المتوسطة فقط من دون الغنية، وهو ما يعد زيادة لدخل فئة من المواطنين من دون أخرى تماماً مثل شرط سقف الراتب الذي تم التوصل إليه بتنازلات من المجلس والحكومة، وهو أفضل من لا شيء، بل هو بالتأكيد أفضل من دغدغة مشاعر المواطنين ومحاولة تسويق الوهم من أجل مكاسب شعبية من قبل بعضهم ممن يحاول الإضرار بالمثقلين بالديون.كما أن هذا التوافق الحكومي النيابي ليس وليد اليوم، بل يعد استكمالاً لسلسلة من التوافقات على قوانين عدة أهمها أملاك الدولة والإسكان وغيرها، وهذه الإنجازات جاءت نتيجة لتغير في المعادلة السياسية بحيث أصبح بعض حكوميي الأمس معارضي اليوم لأنهم محسوبون على أطراف أخرى في السلطة متضررة من هذه القوانين الإصلاحية، وهدفه عرقلة أي إنجاز للمجلس ليستمر التأزيم كما في السابق، ولا أظنك يا دكتور تجهل هذه الحقيقة، وكانت هذه المعادلة السياسية الجديدة السبب الرئيسي لدخول التحالف في الحكومة، ويكفي يا دكتور اعترافك بأن قضية التوزير كانت مطروحة عند التحالف قبل التأبين.في النهاية، أرجو من الدكتور العزيز عدم تضخيم قضية التأبين وتصويرها بـ«العقدة»، فمَن يعرف سيد عدنان ولاري وعاشرهما عن قرب أثناء المحنة يدرك أنهما لم يهتزا أو يركعا لهذه الهجمة الشرسة حتى يصابا بعقدة وكانا مصداقاً لقوله تعالى: «وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا». (الأحزاب: 22).