أعلم أن تعبير «شوارعي» وصف صادم ومقزز للصفوة، وغالباً لكل ذي قدر من الأدب وأصحاب الذوق الرفيع... ولكنه، لدى من يعمل في السياسة اليوم، الوصف الأمثل لأغلبية الممارسات السياسية والبرلمانية.
فالجميع يدّعي أنه يمثل نبض الشارع ويعكس الصوت الشعبي، بما فيهم الحكومة التي دخلت سباق الشارع الذي أصبح يقود القرار الذي يجب أن يصنعه قادة مؤسسات الدولة، وأصبح الجميع مطالباً بتقديم كشف حساب عن أدائه للشارع، لكي يرضى عنه، وليبقى على كرسيه أو يتقي شر صوت الشارع الذي تعكسه الأصوات العالية في مجلس الأمة، التي أخذت صك التمثيل الشعبي كما تدّعي. ولذلك فإنه ليس من المستغرب أن تتوالى اعتذارات الكفاءات الوطنية عن المشاركة في الحكومة، لأن أي رجل دولة لا يمكنه أن يقبل أن تكون قراراته الفنية والسيادية محل تقييم الشارع ورغباته الآنية، والتي لا تستطيع أي حكومة على وجه الأرض أن تستجيب لها جميعا. في الدول الديمقراطية، رجل الشارع ينتخب من يريد لتحقيق سياسات لا لجعله صاحباً للقرار الأوحد، وصانعاً لآليات تنفيذه الفنية، لذا فإنه لا يوجد في الكويت اليوم من يحترم مؤهلاته وخبراته، ويقبل بأن تُعرض أعماله اليومية على رجل الشارع ليُحكَم عليها في ندوات الدواوين ولتُجرّح ويُعرّض بها. فالسلطة تستجيب لرغبات العامة دون سند أو أسباب واضحة فتنسخها أو تلغيها، ولاشك أن هناك فرقا كبيرا بين غوغائية الشارع من جانب وإدارة الدولة والعمل البرلماني المثمر والرزين على الجانب الآخر الذي لا يمكن لمن يعرف حقيقة المصلحة الوطنية أن يتنازل عنه مقابل تقديم كشف حساب بمقاييس «شوارعية» ليرضى عنه أصحاب صك «التمثيل».
مقالات
كشف حساب شوارعي
12-01-2009