مُقلق هذا الذي يجري في باكستان، فالتطورات الأخيرة، بعد أن تراجعت الدولة أمام ضغط القوى المتخلفة والمتطرفة، تبعث على الخوف الجدي والفعلي من أن تقع هذه الدولة - التي تحتل موقعاً استراتيجياً مهماً والتي تتجاور، رغم أن إيران تشكل جدار فصل جغرافياً، مع المنطقة العربية - في يد حركة «طالبان» التي كانت فترة حكمها في أفغانستان عودة الى ما قبل العصور الوسطى وكانت فترة تخلف وسوداوية.

Ad

يجب أن يكون معروفاً منذ الآن أنه إذا انهارت، لا سمح الله، هذه الدولة الباكستانية التي تشكل سنداً للعرب، ولو من الناحية المعنوية وحلت محلها إمارة كإمارة الملا عمر البدائية المتخلفة، فإن على دول الجوار ودول جوار الجوار ان تتحسس رؤوسها، وأن تستعد لأيام مقبلة صعبة وقاسية.

حتى بالنسبة لإيران التي من أجل ابتزاز الأميركيين وفرض شروطها عليهم لجأت، كما فعلت وتفعل في العراق، الى دعم كل القوى المناهضة للوجود الأميركي في أفغانستان مثل «طالبان» الأفغانية ومثل تنظيم «حكمتيار» والكثير من القوى الأخرى، فإنها إن سقطت هذه الدولة الباكستانية القائمة، لا سمح الله، فستشرب من هذه الكأس نفسها، فهي غير محصنة ضد هذه الآفة، ولديها فئات تتبع المذهب السني مثل الأكراد والبلوش وفئات قومية كعرب عربستان ستجد في أي انتصارٍ للظاهرة «الطالبانية» سنداً لإعلان الثورة المسلحة.

وأيضاً فإن على الهند، التي ربما يفرحها ان تنهار باكستان وأن تقع في يد هذه الظاهرة «الطالبانية» المنفرة وغير المقبولة دولياً، أن تعرف ان هناك مثلاً عربياً يقول: «أُكلت يوم أكل الثور الأبيض» فهي لديها أكثر من مئتي مليون مسلم، ولديها جرح كشمير الراعف، ولديها مشاكل عرقية وإثنية أكثر من ان تُعدَّ وأن تحصى، وهذا من المفترض ان يجعلها أكثر دول الإقليم حرصاً على تماسك الدولة الباكستانية وعلى صمودها في وجه هذا المد، الذي إن هو انتصر على هذه الدولة الاستراتيجية المهمة فإنه سيشمل المنطقة كلها.. وسيصل حتى إلى الصين وحتى إلى تركيا.

إن مجريات الأمور تشير الى ان باكستان ماضية على طريق خطير، وأنها إن لم يبادر الجيش الذي هو صمام أمن البلاد الى الإمساك بزمام الأمور، وإن لم تبادر الدول المجاورة، إيران والهند والصين وتركيا، الى إنشاء جبهة عريضة واحدة وموحدة للتصدي لهذه الآفة التي إن هي حققت انتصارها الأول، فإنها ستنتقل بأنشطتها العسكرية الى هذه الدول الآنفة الذكر كلها، وإلى الدول الإسلامية التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي، والتي تدور الآن في فلك الإمبراطورية الروسية.

سيخسر العرب المطلُّون على الخليج والمطلون أيضاً على البحر المتوسط وعلى المحيط الأطلسي شقيقاً عزيزاً ودولة داعمة هي أقرب الدول الإسلامية إليهم إن سقط هذا النظام الباكستاني، لا سمح الله، وحلت محله «طالبان» وهذا يستدعي أن تتحرك الدول العربية التي تحظى بمكانة ونفوذ في هذه الدولة الشقيقة لمصالحة القوتين الرئيستين حزب آصف زرداري الحاكم وحزب نواز شريف المعارض، فهذه مسألة في غاية الأهمية، وهي الخطوة الأولى لمنع أفعى التطرف من الخروج من جحرها في وادي «سيوات» والزحف خطوة بعد خطوة نحو باقي المناطق الباكستانية.

كاتب وسياسي أردني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء