إن التصنيف والأحكام المسبقة وسيلة الضعفاء عديمي الحجة، وهذه النوعية من البشر ممَن يصعب عليهم تشغيل أدمغتهم لتفسير وتحليل كل موقف وفكرة تمر من أمامهم، تنزل الأحكام على أصحابها ممن حبستهم في خانات معلبة، مباشرة دون تفكير. هذا بدوي وهذه دوافعه وهذا حضري وهذه دوافعه... هذا سُنّي وهكذا يفكر وهذا شيعي وهكذا يفكر... هذا إسلامي وهذه نواياه وهذا ليبرالي وهذه نواياه... وهذا حكومي وهذه مصالحه وهذا معارض وهذه مصالحه، وهلم جرا!

Ad

لذا كان الرد الأسرع والأسهل والأريح من البعض على مقالي السابق بأنه فزعة قبلية عنصرية لبورمية ابن قبيلتي، هكذا أطلقوها ليريحوا أدمغتهم من التفكير والوصول إلى ما لا يوافق استنتاجهم المسبق، وفي ظني أن الرد على هؤلاء مضيعة للوقت لأنه إن لم تشفع لي عشرات المقالات التي كتبتها رفضاً للعنصرية القبلية وعشرات التصريحات والمواقف التي اتخذتها ضد العصبية الجاهلة فلن تنفعني سطور قليلة اليوم، وسأكتفي بأن أرثي لحالهم لأن من عطل دماغه فقد قيمته!

في جانب آخر، شكك آخرون بصدق ما قاله د. ضيف الله بورمية، بل وصل بعضهم إلى اتهامه بالكذب، وقد اتصل بي أحد ممَن أكن لهم تقديرا واحتراما كبيرين من ذوي الشأن لينقل لي بأن ما قاله بورمية في ندوته غير صحيح، وأن أعلى المسؤولين في أمن الدولة ينفون كلامه جملة وتفصيلاً، وكل الشكر للرسالة ولناقلها، وردي هو إن كان الرجل كاذباً حقاً فما بال وزارة الداخلية صامتة صمت القبور؟ يتهمها الرجل بأعلى صوته بالتعامل مع المواطنين بتفرقة فاحشة، فلا تحرك ساكناً؟ ويطلق مثل هذه التصريحات التي أدت إلى كل هذه القلاقل، وتشيح بوجهها إلى الناحية الأخرى وكأن الأمر لا يعنيها؟!

الأمر بالنسبة لي، في أدنى مستوياته، مريب... مريب جداً، فلو كانت وزارة الداخلية لا تطوي جناحها على جرح متقيح، لما صمتت، ولفندت هذه الاتهامات من فورها ودحرتها، بل لجرجرت بورمية إلى المحكمة بتهمة نشر الفتن والفوضى وتهديد النسيج الاجتماعي! هذه هي المسطرة... وهذا هو المنطق والموضوعية.. وهذا هو العدل، وهذه هي الوسيلة الصحيحة للمحافظة على المجتمع من الفتن، لو كان القوم يريدون!

من جانب ثالث، وجه البعض ملامة لبورمية على إثارته للموضوع في ندوة علنية حاشدة، وأنه كان الأجدر به أن يتقدم بشكوى هادئة من خلال القنوات الرسمية! وهذه ملامة غريبة، ومنطق مقلوب! الرجل يصيح بأنه قد وقع عليه الظلم من قبل النظام نفسه، وهؤلاء يطالبونه بالتزام العقل والحكمة والنزوع إلى السبل الرسمية؟! أليس الأجدر بهؤلاء أن يطالبوا وزارة الداخلية بالرد على ما اتهمها به بورمية علنا؟ (ما لكم كيف تحكمون)!

إن مقالتي السابقة التي قال البعض إنها قد أشعلت فتنة، لم تشعل ما لم يكن مشتعلاً من قبل، فكلام بورمية قد نقلته الصحف والفضائيات وصار حديث الدواوين والمنتديات والمدونات، وأسلوب دفن الرأس بالرمال والسكوت عن أي فتنة ما كان ليخمدها، بل كانت ستظل جمراً من تحت رماد سيحرق أقدام من يطأ عليه!

إن مقالتي ما هي إلا صرخة فيمن يشيحون بوجوههم ويتعامون عن حقيقة وجود الفتن، أطلقتها علّهم يفيقون ويعملون على إخمادها. كانت صرخة لأجلنا جميعاً في وطن واحد جامع غير مفرق!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء