في قناعتي أن تاريخنا السياسي اليوم يقدم فرصة ذهبية لمحمد الصقر، وهو من قال إنه، وإن ترك البرلمان، فلن يبتعد عن العمل السياسي. فالتيار «الديني» يمر بأسوأ مراحله، وأداؤه البرلماني السابق كان «مخزيا» إلى حد بعيد في بعض انعطافاته، والناس كرهت الأزمات وكل النواب المحسوبين على التأزيم، لذلك فهي أكثر تهيؤا اليوم للاستماع إلى صوت العقل الهادئ الواعد بتقديم شيء حقيقي.

Ad

إعلان النائب السابق محمد الصقر عدم ترشحه للانتخابات القادمة هو موقف لافت للنظر بحق... أقول هذا لأن الرجل ليس ممن كانوا على شفير الخسارة في الانتخابات الماضية وباتوا يخشون على أنفسهم اليوم، بل نجح برقم «مرتاح» جداً، وليس كذلك، في ظني، ممن يتهيبون من فكرة الصرف على الحملة الانتخابية، فملاءة الرجل المالية واسعة جداً ومعروفة للجميع، وليس كذلك من نواب الخدمات الذين قد يقال إن الإرهاق قد نال منهم بسبب «إزعاج» الناس الباحثين عن تسهيل معاملاتهم، أو غير ذلك من الأمور، بل يدرك المنصفون أن محمد الصقر، على العكس من ذلك تماماً، قد دفع مع هذا الإعلان مقابلاً ضخما حيث خسر منصبه في رئاسة البرلمان العربي وعضويته الرفيعة لمؤسسات دولية أخرى ترتبط بهذا المنصب.

الرجل، وبحسب ما أعلن، لم يعد يرى نفسه قادراً على الاستمرار في المشاركة في هذه «المسرحية» السياسية، أو لنقل غير السياسية لأن ما يجرى في حقيقة الأمر بعيد كل البعد عن السياسة الجادة، وقصاراه أنه فوضى هزلية مؤلمة!

سمعت أكثر من شخص يقول إن الصقر قد أخطأ في قراره هذا، وأنه كان من النواب الجادين متميزي الطرح في مقابل تفاهة وركاكة كثيرة كان يعبق بها جو الحياة السياسية، ولعلهم مصيبون في ذلك، لكنني أؤمن في الوقت نفسه بأن المشاركة السياسية الفاعلة لإنقاذ واقعنا السياسي المترنح ليس من الضروري أن تكون من تحت قبة البرلمان فحسب، بل لعلها قد صارت اليوم، بعدما ضاعت البوصلة البرلمانية وتاه الطريق، أكثر فاعلية من خارج البرلمان عبر الحراك الشعبي المنظم الفعال من خلال مؤسسات المجتمع المدني ومن خارجها، وفي الفترة السابقة ما كان لأي نائب جاد، سواء الصقر أو غيره أن يقدم شيئاً يذكر يرضيه عن نفسه ويقنعه بالاستمرار.

وفي المقابل، قد يقول قائل من خصوم الصقر، بأنه لم تبكِ عليه البواكي حين رحل، وهي وجهة نظر طبيعية من الخصوم خصوصاً في زمن قلة الإنصاف، ولكنني أعلم أن كثيراً من الناس قد تألموا لخروج الصقر من الدائرة البرلمانية، لكن عزاءهم أنه قد خرج بإرادته وهو مدرك تماماً لما يفعل وقبل أن يدفع المقابل الباهظ المستحق لذلك، دون أن يكون مهدداً بنتائج الانتخابات أو مضغوطاً عليه من تيار أو فئة كحال آخرين.

في قناعتي أن تاريخنا السياسي اليوم يقدم فرصة ذهبية لمحمد الصقر، وهو من قال إنه، وإن ترك البرلمان، فلن يبتعد عن العمل السياسي. فالتيار «الديني» يمر بأسوأ مراحله، وأداؤه البرلماني السابق لم يكن جيداً أبداً، بل كان «مخزيا» إلى حد بعيد في بعض انعطافاته، والناس كذلك في عمومها قد كرهت الأزمات ومعها كل النواب المحسوبين على التأزيم، لذلك فهي أكثر تهيؤا اليوم للاستماع إلى صوت العقل الهادئ الواعد بتقديم شيء حقيقي.

الفرصة سانحة الساعة لظهور تيار وطني طليعي يقدم للناس الأمل ويقود الساحة نحو كويت الغد، تيار يكون لكل الكويتيين حقا، بكل فئاتهم وطوائفهم بلا استثناء، تيار يقوم أولاً على طاقات الشباب وعنفوانهم، وثانياً على حكمة السابقين وتجربتهم، تيار باحث عن الحياة والفرح دون تصادم مع أخلاقيات وعادات المجتمع ومشاعره الدينية، تيار لا يخرج كرد فعل أو لمواجهة أي تيار قائم بعينه، إنما حاملا لشعلة تنموية جديدة على المستويات المختلفة.

محمد الصقر هو واحد من الأسماء التي تمر في مخيلتي وأظنها قادرة على المساهمة في صناعة شيء كهذا، ولا أدري إن كانت الأيام القادمة ستجعله منهم، أم لا!