تحل الذكرى السنوية السابعة لاعتداءات 11 سبتمبر بعد أيام، وفيها يستعيد الأميركيون الذكريات الأليمة لذلك اليوم الحزين، يقفون حداداً على أرواح 3 آلاف ضحية من كل دين وجنس، سقطوا صبيحة ذلك اليوم من غير ذنب عدا أن حظهم العاثر شاء أن يوجدوا في ذلكما البرجين الشامخين اللذين انهارا إثر استهدافهما بطائرتين مدنيتين بقيادة (عطا) وزميله (الشحي) وسيضع أقارب الضحايا أكاليل الزهور- وسط البكاء والدموع- وهم يستذكرون أقاربهم الذين قضوا نحبهم.

Ad

(7) سنوات مرت على الفاجعة الأليمة التي هزت أميركا وزلزلت العالم، تغير فيها وجه التاريخ وحدثت تغيرات كثيرة، وكان نصيب المنطقة منها هو الأكبر، زالت دولة طالبان وتشرد أمير المؤمنين الملا عمر، وهدمت أوكار «القاعدة» وفر زعيمها إلى الجبال، وسقط نظام صدام وتنفس العراقيون الصعداء، وتخلصوا من كابوس جثم على صدورهم طويلاً، واجتاح المنطقه مد من الحراك السياسي والاجتماعي أفرزا مراجعة شاملة للنظام التعليمي، وضبطاً للخطاب الديني، ومراقبة للمنابر الدينية والجمعيات الخيرية، ونالت المرأة العربية حقوقها السياسية ووصلت إلى سدة الوزارة والقضاء والبرلمان، واستعاد لبنان سيادته بخروج سورية وتحررت (غزة) وأجريت انتخابات نزيهة وفازت «حماس» وذاقت طعم السلطة وزين لها ذلك أن تنقلب وتنفرد بحكم «غزة» وأصبح الفلسطينيون تحت سلطتين متنازعتين وهادنت «حماس» إسرائيل بعد أن كانت تنتقد غريمتها، واستأسد «حزب الله» على لبنان إثر مغامرته غير المحسوبة على إسرائيل وجاءت القوات الدولية لتكون حاجزاً بينه وبين إسرائيل، وروضت ليبيا بعد أن غيرت سلوكها وأصبحت نموذجاً يحتذى لما سمي بالدول المتمردة.

تغيرت الأوضاع متسارعة وما كان يمكن حصولها لولا شيطان «القاعدة» الذي زين لزعيمها غزو أميركا وضربها في رموز شموخها، ومن بعدها أصبحت الدنيا غير الدنيا التي ألفناها، أصبحت ملأى بالإجراءات الأمنية التي تلاحق الأفراد في كل مكان، وأصبح العالم عالمين: عالم ما قبل سبتمبر وعالم ما بعده. ترى هل كان زعيم «القاعدة» مدركاً أبعاد التداعيات المترتبة على فعلته؟! هل كان خالد شيخ محمد العقل المدبر مستوعباً عواقب تخطيطه؟! في كتابه الممتع– كنت في أفغانستان- يقول تركي الدخيل: إن بن لادن كان متحسباً لرد الفعل الأميركي ولذلك سعى إلى التخلص من أحمد شاه مسعود القائد الأقوى في تحالف الشمال المعادي لطالبان، وذلك قبل يومين من الاعتداءات، بهدف تأمين الجبهة الداخلية. نعم نجحت «القاعدة» في إدماء أنف المارد الأميركي، واحتفلت بالنصر وتبادل أنصارها التهاني والتبريكات، لكن في الحقيقة خسرت كثيراً، خسرت أعظم أحلامها، دولة «الخلافة» حلمها وحلم كل الحركات الدينية، وخسرت الملاذ الآمن، وخسرت الأتباع الذين قتلوا وشردوا وسيقوا مصفدين بالسلاسل إلى أقفاص «غوانتنامو» لكن الخسران الأكبر أصاب المسلمين ولحق بصورة الإسلام، لقد نسفت «القاعدة» كل الجهود المضنية في تقديم صورة حضارية للإسلام، فأصبح في نظر قطاع عريض من الغربيين دين عنف، وأصبح المسلم متهماً أينما حل أو ارتحل إضافة إلى أن عمليات «القاعدة» في أوروبا كانت أكبر عون في اشتداد التيار العنصري المعادي للمسلمين وزيادة نفوذه وتشويه الإسلام والمسلمين.

بعد أن أفاق الأميركيون من هول الصدمة، لم يسارعوا باتهام أي جهة لكنهم تساءلوا: من فعل ذلك بنا؟! قامت الإدارة الأميركية بأكبر عملية تحقيق في التاريخ وتوصلت عبر أدلة موثقة حظيت بقبول دولي وموافقة اجماعية لمجلس الأمن بالقرار (1373) الذي منح أميركا حق شن الحرب على طالبان إذا لم تسلم (بن لادن) اكتشف الأميركيون أن الذين فعلوا بهم تلك الفعلة هم 19 انتحارياً عربياً ينتمي 15 منهم لدولة حليفة، لقد كانت صدمتهم كبيرة وفاجعتهم عظيمة وما كان بوسع رئيسهم إلا أن يرد الصاع صاعين ويتبنى سياسة الحرب الاستباقية، غيرت أميركا سياستها التي درجت عليها 70 عاماً والقائمة على حماية الأوضاع القائمة في المنطقة إلى سياسة تغيير تلك الأوضاع باعتبارها مسؤولة عن الفكر الإرهابي الذي ضرب أميركا.

في المقابل تساءل العرب- في توجس وقلق- من فعل ذلك؟ استبعدت أغلبية الجماهير «القاعدة» وبرأتها وذلك في معرض إجابة عن سؤال للفضائية «العربية» وشايعتها في ذلك رموز دينية وفكرية وسياسية بل أمنية بحجة أن العملية فوق إمكانات «القاعدة»، وسارعت إلى اتهام «الموساد» و«الاستخبارات الأميركية» وأذكر أن «الجزيرة» استدعت خبيراً إعلامياً عصر يوم الحدث الرهيب، فأكد أنه من فعل اليمين الأميركي أسوة بحادثة «أوكلاهوما» وقام مهندس لم يحسن شيئا في تخصصه فانقلب داعية ليؤكد في فضائية أن ذلك من فعلة اليهود بدليل تغيبهم عن العمل صبيحة يوم الحدث، وعندما قيل له إن بين القتلى عدداً كبيراً من اليهود، كابر وقال: «هم اليهود اللي عملوا العملية» ولن أنسى موقف ذلك الرمز الديني الشهير الذي وقف خطيباً على المنبر الجامع، فدافع عن زعيم «القاعدة» ووصفه بالشيخ قائلاً: إن الشيخ أسامة بايع أمير المؤمنين الملا عمر على السمع والطاعة، والتزم عدم الإساءة إلى الدول الأخرى وليس عنده من الوسائل ما يعينه على هذا العمل، وأكد أن أميركا تعلم «علم اليقين» ذلك، لكنها تحشد للقضاء على المسلمين بدافع «صليبي حاقد» وطار القوم فرحاً بكتاب «الخديعة المرعبة» لفرنسي مغمور اسمه «تيري ميسان» لأنه قال: إن أميركا ضربت نفسها بنفسها، استضافوه واحتفوا به وكرموه وأغدقوا عليه وترجموا كتابه عدة ترجمات وروجوه فأثرى ثم توارى ولم يعد أحد يذكره، وأغرى هذا الرواج التجاري آخرين نهجوا نفس منواله- تبرئة «القاعدة» واتهام أجهزة المخابرات- فتوالت حمى الكتب تروج أوهاماً تجد قبولاً عند عامة المسلمين ووصل الأمر إلى صنع أفلام تؤكد أن 11 سبتمبر من تدبير إدارة بوش نفسها.

قد تكون الجماهير معذورة إذا صدقت تلك الترهات، ولكن ما عذر النخب والرموز بعد وضوح البينات وتوالي الاعترافات سواء من قبل زعيم «القاعدة» أو من قبل كبار القياديين فيها خصوصا خالد شيخ محمد العقل المخطط الذي اعترف صراحة بأن فكرة ضرب مركز التجارة العالمي بطائرات مدنية فكرته هو شخصياً منذ عام 1995 عرضها على بن لادن فلم يتحمس لها إلا في عام 1999 وأمر بتنفيذها.

يقول جمال خاشقجي معلقاً على حالة الإنكار لدى قطاع عريض من الجماهير والنخبة: ينسبون «9/11» إلى اليمين الأميركي وهو لا يغضب اليمين الأميركي فحسب بل يغضب بن لادن نفسه، إذ يجرده شرف المباهاة بالغزوة المباركة، ويظهر أتباعه- جماعة البكري في لندن- الذين احتفلوا بـ«العظماء الـ19» بمظهر الكذبة أو المغفلين.

ترى بعد كل تلك الاعترافات والأدلة والبراهين هل يملك هؤلاء الذين أنكروا مسؤولية «القاعدة» عن اعتداءات سبتمبر الشجاعة الكافية لمراجعة مواقفهم؟ وهل يعترفون اليوم بأخطائهم؟ وهل يعتذرون أم سيستمرون في حالة المراوغة وخداع الذات؟!

* كاتب قطري

بالمشاركة مع «الوطن» القطرية