ربع قرن على الموجة الجديدة في السينما المصريّة (1- 2)

نشر في 06-10-2008 | 00:00
آخر تحديث 06-10-2008 | 00:00
 محمد بدر الدين عرض عام 1983، أي منذ ربع قرن، فيلم «سواق الأتوبيس»، إخراج عاطف الطيب وتأليف بشير الديك وبطولة نور الشريف، فشكّل افتتاحية قوية لموجة تطوير بل تجديد كبير في السينما المصرية والعربية، أطلق عليها البعض موجة سينما الثمانينات، وطرح بعض النقاد عليها تسمية «حركة الواقعية الجديدة»، وقد استمرّ إشعاعها وقدر من تأثيرها وحضورها في النصف الأول من التسعينات الماضية.

قامت تلك الموجة الجديدة على أيدي مجموعة من خيرة السينمائيين، في مجالات الإخراج والإنتاج والتأليف والتصوير والمونتاج والتمثيل وغيرها، وتصدّر المشهد قادة الموجة من المخرجين المبدعين: عاطف الطيب، خيري بشارة، محمد خان، رأفت الميهي، داود عبد السيد، محمد شبل، بشير الديك. وإذا كان بشارة وعبد السيد وفدا من السينما التسجيلية، جاء الميهي والديك من كتابة السيناريو، ولعلّ الطيب وخان اتسما بأنهما الأوفر إنتاجاً، أما شبل فهو الأسبق من حيث تقديم «إرهاصات» لتلك الموجة، إذ قدّم فيلمه الأول «أنياب» عام 1981، وكان الأقل إنتاجاً إلى جانب الديك، وقد فقدنا شبل والطيب اللذين رحلا في وقت مبكر رحمهما الله.

سبق هؤلاء المخرجين السبعة علي بدرخان الذي ظهرت أفلامه في السبعينات، وهو يُعد في تقديرنا مواكباً لهم ومشاركاً في موجتهم، لا سيما أنه أبدع عام 1986 أهم أفلامه «الجوع»، كذلك كان فيلمه «أهل القمة» عام 1981 من مقدّمات تلك الموجة وبشائرها اللافتة الأولى.

لم تلبث أن لحقت بهؤلاء دفعة مبدعة تالية تشكّلت من مخرجين موهوبين مقتدرين أيضاً: رضوان الكاشف، يسري نصر الله، شريف عرفة، أسامة فوزي، محمد كامل القليوبي، مجدي أحمد علي، سيد سعيد.

اختلف النقاد والسينمائيون حول ما إذا كانت الدفعة الثانية تعتبر امتداداً للأولى، وجزءاً لا يتجزأ من الموجة الجديدة نفسها التي بدأت مع بداية الثمانينات، أم هي موجة تالية مستقلّة، لها سماتها ولمساتها وظروفها وأدوات وطرق تعبير وربما هموم مختلفة؟

الحق أن السؤال ما زال مطروحاً، ولا نظن أن ثمة إجابة قريبة حاسمة، فلا بد من مرور وقت للتأمل ودراسة نتاج المخرجين ومعاودة النظر فيه من دون انطباعات متسرّعة.

ذهب فريق من النقاد إلى اعتبار أنه إذا كانت سينما الدفعة الأولى هي موجة «الواقعية الجديدة»، فإن سينما الدفعة التالية هي موجة «الواقعية السحرية»، وهو مصطلح استعير بالطبع من فن أميركا اللاتينية الحديث وأدبه، مثل استعارة مصطلح «الواقعية الجديدة» من الحركة التي سمّيت به في السينما الإيطالية إثر الحرب العالمية الثانية.

يرى كاتب هذه السطور أن المصطلحين يعبّران بدقة عن بعض الأفلام بالفعل لدى الدفعتين، لكنهما لا يعبّران عن البعض الآخر، لأنهما يلائمان «الجزء» وليس «الكل»، أو حتى «الغالب الأعم».

ضمن دفعة الثمانينات، بالإمكان مثلاً أن توصف بـ «الواقعية الجديدة» أفلام عاطف الطيب: «سواق الأتوبيس»، «الحب فوق هضبة الهرم»، «ملف في الآداب»، «البريء»، «ليلة ساخنة»... وأفلام خيري بشارة: «العوامة 70»، «الطوق والأسورة»، وأفلام محمد خان: «موعد على العشاء»، «طائر على الطريق»، «الحريف»، «عودة مواطن»، «أحلام هند وكاميليا»، «سوبر ماركت»، وأفلام داود عبد السيد: «الصعاليك»، «الكيت كات»، «البحث عن سيد مرزوق»، «أرض الأحلام»، «أرض الخوف»، «مواطن ومخبر وحرامي»، وأفلام، أو بالأدق فيلمي، بشير الديك: «الطوفان» و«سكة سفر»... لكن لا نحسب أنه بالمقدور أن يكون مصطلح «الواقعية الجديدة» جامعاً، منطبقاً على مجموعة أفلام الطابع الفانتازي للمخرج رأفت الميهي.. أو «الجوع» للمخرج علي بدرخان..

أما أفلام الدفعة التالية، فتنوعت بدورها بين أفلام الطابع الفانتازي للثنائي المخرج شريف عرفة والمؤلف ماهر عواد وبين مصطلح «الواقعية الجديدة» لأفلام أخرى، مثل «ليه يا بنفسج» لرضوان الكاشف، و«سرقات صيفية» ليسري نصر الله، و«3 على الطريق» لمحمد كامل القليوبي، و«يا دنيا يا غرامي» لمجدي أحمد علي وغيرها.

لعل مصطلح «الواقعية السحرية» أكثر ملاءمة بالفعل لأفلام مثل: «عفاريت الأسفلت» و«جنة الشياطين» لأسامة فوزي، و«القبطان» لسيد سعيد.... من بين أفلام الدفعة الأولى: «أنياب»، من إخراج محمد شبل، وهو امتاز بأجواء فيلم الرعب التقليدية لكن في إطار فني، ومن بين أفلام الدفعة الثانية «عرق البلح»، إخراج الكاشف الذي توفي مبكراً مثل شبل والطيب، وهو فيلم له خصوصيته ويعد نسيجاً بطابعه الأسطوري، الذي يغلّف دراما لا تخلو من لمسات واقعية أو ضربات فرشاة قد تشير إلى التعبيرية وتوجهات واستفادات عدة... وهكذا.

لحديثنا بقية

back to top