التنمية الذاتية والازمة المالية العالمية
![د. عمار علي حسن](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1486988020208745100/1486988020000/1280x960.jpg)
ومن يمعن النظر في تاريخ التنمية على مدار القرون الثلاثة الأخيرة سينتهي إلى حقيقة جلية، مفادها أنه لا توجد حالة تنمية واحدة تكللت بالنجاح من دون توافر العناصر الأساسية للتنمية الذاتية، والتي تقوم على القواعد التالية:أ- بلورة هوية وطنية جامعة، تمنح الفرد والجماعة معا إطارا متماسكا يمكنها من بناء رؤية محددة للعالم تساعد على حسن التعامل معه، ونظرة إلى الذات تقود إلى احترامها وتقديرها.ب- تعزيز القدرة على الضبط والقيادة الذاتية في مختلف المجالات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.ج- تنويع النشاط الاقتصادي وتوسيعه على مستوى القطاعات الاقتصادية كافة، وتأسيسه على نظام تعليمي يخدم برامج التنمية الشاملة.د- وجود إرادة حرة في تحديد شكل وحجم التعاون المتبادل مع الدول الأخرى، بما يحقق المصالح المشتركة.ومن هنا تتجسد التنمية المستقلة في نطاق عوالم ثلاثة هي: عالم الرؤى والمفاهيم والتصورات، وعالم المواقف والخيارات، وعالم الفعل والتصرفات الذي ينصرف إلى الخطط والبرامج والأدوات والمؤسسات، وهي في جوانبها النظرية وتطبيقاتها العملية تعني تسعة أمور أساسية يحددها عالم الاقتصاد الراحل الدكتور إسماعيل صبري عبدالله في:1- الاعتماد على النفس في مواجهة المعونات والقروض والاستثمارات الأجنبية.2- وجود تنمية تتمحور حول الذات، وتتوجه إلى الداخل، في مواجهة انشطار الاقتصاد إلى شق تحديثي يرتبط عضويا بالشركات متعددة الجنسيات وشق تقليدي يتأسس على أشكال الإنتاج القديمة المتوارثة والبسيطة. 3- توفير حد الكفاية أو الحاجات الضرورية لعموم المواطنين في مقابل إثراء القلة وتهميش الأغلبية وإفقارها.4- الاهتمام بالتنمية البيئية في مواجهة النهب المنظم للموارد الطبيعية والذي يؤدي إلى نضوبها، وحرمان الأجيال القادمة من حقها فيها.5- توسيع المشاركة الشعبية للحد من تجبر الحكام وتسلطهم، من منطلق أن الديمقراطية السليمة هي أحد الأطر المهمة التي تحفظ التنمية الذاتية وتوجه حصادها إلى مكانه الطبيعي.6- اللجوء إلى تقنية ملائمة لظروفنا، تلبي احتياجاتنا، وتغني نفوسنا عن الانبهار الرخيص بالتقنيات المتقدمة التي لا نحوزها إلا بالاستيراد، ولا يسمح لنا بامتلاكها إلا في ظل التبعية. ثم العمل على تطوير ما لدينا من تقنيات في ظل استراتيجية ترمي إلى بناء قاعدة علمية وتقنية وطنية، تساهم في ردم الهوة بيننا وبين الدول الصناعية الكبرى.7- التمسك بالهوية الحضارية والخصوصيات النافعة في مواجهة الذوبان في الآخر، أو الانسحاق أمامه، ومحاكاته وتمثله.8- دفع الاقتصاد الوطني نحو التكامل الداخلي بما يمكنه من تصفية الجيوب المرتبطة بالخارج، وفي مقدمتها مناطق تركز النشاط التابع للشركات متعددة الجنسيات.9- الميل إلى الاعتماد الجماعي على النفس على المستوى الإقليمي، وبين الدول المتجاورة، بما يمكنها من تشكيل كيانات اقتصادية كبيرة بوسعها النضال ضد أساليب الاستعمار الجديد، وسعي الدول الكبرى في السيطرة والاستغلال، وفي إمكانها الوقوف في وجه التكامل الاقتصادي الذي يجري بين الدول الصناعية.أما الجوانب التطبيقية أو الإجرائية للتنمية الذاتية فتبدأ بحصر شامل لجميع الموارد المحلية المتاحة من قوى عاملة ورأسمال ومواد خام ووسائل إنتاج ومعارف تنتجها النخبة أو يجود بها الموروث الشعبي، ثم القيام بربط حركة التصنيع بالموارد المحلية، وتطوير أساليب الإنتاج القائمة وتشجيع ابتكارات أخرى تلائم الموارد المحلية من جهة، وتلبي احتياجات القاعدة العريضة من الشعب، ورفع إنتاجية القطاع الزراعي، باعتبار الزراعة هي المكون الأول للنشاط الاقتصادي، والذي تضيق فيه الفجوة بين الدول مقارنة بالصناعة والتكنولوجيا.* كاتب وباحث مصري