الكاتب المحرر - الكاتب المساعد!
صناعة الكتاب في الغرب صناعة ثقيلة، ثقيلة بالنظر إلى تأثيرها العلمي والفكري والثقافي والفني في الناس، وثقيلة من حيث دورتها الاقتصادية ومردودها المادي. يستتبع هذا انشغالها الدائم في تطوير أدواتها، ومواكبة العصر الراهن، ومحاولة تذليل الصعاب لأصحابها.
إن دور النشر في الغرب، وفي ما يخص الجانب الأدبي، هي بحاجة إلى مبدع لا ينقطع عن إمدادها بنتاجه المتجدد، سواء كان ذلك شعراً أو رواية أو مجاميع قصصية أو مسرحاً أو كتب أطفال، وهذا يدفع بها إلى البحث عن الكتّاب، ومن ثم توقيع عقود احتكار بمدد زمنية متفاوتة معهم، والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى متابعة الكاتب، والسير معه خطوة بخطوة، قبل كتابة العمل، وأثناء وبعد كتابته. الناشر المتخصص في الغرب، صاحب الصنعة، يتحرك وفق منطق السوق، ووفق بوصلة الوعي الشعبي، وقبل هذا وذاك وفق درايته بأمزجة الناس واهتماماتهم اللحظية المتغيرة، لذا لا ينتظر الناشر من الكاتب أن يقدم له ما تجود به قريحته، بل يقترح عليه الكتابة في مواضيع بعينها، ويترك له حرية أن يختار من بينها. وحتى إذا ما ترك الناشر لكاتب كبير أن يختار ما يشاء من المواضيع ليكتب فيها، فهو، أي الناشر، إنما يعمل ذلك ليقينه في قدرة الكاتب على قراءة المشهد الثقافي وتلبية حاجته. أو يقينه من جهة أخرى، بأن الكاتب الكبير قد أسس قاعدة جماهيرية كبيرة من القراء، تقبل على أعماله، وتتابعه في كل ما يبدع. إن ملاحقة الناشر للكاتب إذ تعد في أحد وجوهها اغتصابا لحرية الإبداع وإخضاعها لمنطق التسليع والاستهلاك، لكنها من جهة أخرى، تمثل دافعاً قوياً وأساسياً للكاتب كي ينتج أعماله الإبداعية، وهذا وبمرور الزمن يرسي قواعد متينة لطبيعة العلاقة ما بين الكاتب والناشر، ودور الناشر الحيوي في أن يكون جسراً بين الكاتب والقارئ. إن أحد وجوه تطور صناعة الكتاب في الغرب يتمثل في ما يمكن أن نطلق عليه لقب الكاتب المحرر أو الكاتب المساعد، وهذه وظيفة أدبية لها أصولها، إذ يقوم الناشر بتكليف شخص ذي خبرة ليكون بقرب الكاتب طوال ساعات عمله، وليكون هذا المحرر أو المساعد مصاحباً ومساعداً للكاتب في إنجاز عمله الإبداعي، وبما يضمن للكاتب المحرر أو المساعد، لعب دور محرض يدفع بالكاتب إلى إنجاز عمله في الوقت المحدد، ووفق ما هو مطلوب، ويوفر له جليساً متفرغاً يقترح عليه ويناقشه في عمله خطوة بخطوة، ويطلب منه كل ما من شأنه أن يصب في خانة تجويد العمل. إن وظيفة الكاتب المحرر أو المساعد، غير معمول بها في وطننا العربي، بالنظر إلى تأخر صناعة الكتاب، وبالنظر إلى تداخل الاختصاصات الملتبس في حياتنا الثقافية، لكن واقع الحال يتطلب من الناشر العربي تخير وانتخاب كاتب يراهن عليه، ويتعاقد معه، ويقدم له أجره سخياً، وأخيراً يسخر له كاتباً محرراً يساعده على بلوغ غايته. أقول هذا وأنا أعلم علم اليقين ببعد هذه الأمنية عن التحقق، لكني أقول: ليس أقل من الحلم.