البطالة... وخطط الحكومة
ستكون البطالة أحد الآثار السلبية المباشرة للأزمة المالية العالمية التي تخيم على اقتصادات العالم أجمع. فعلاوة على عدم توافر فرص وظيفية جديدة في سوق العمل، فإن كثيرا من المؤسسات والشركات الخاصة ستقوم بالاستغناء عن عدد من العاملين لديها مما سيزيد حتما من معدلات البطالة في الدول جميعها. فعلى سبيل المثال لا الحصر سجلت معدلات البطالة أعلى مستويات لها في الولايات المتحدة الأميركية خلال شهر نوفمبر الماضي لتصل إلى 533 ألف عاطل، وهو أعلى معدل شهري للبطالة في أمريكا منذ 1974، مما رفع معدل البطالة هناك إلى 6.7% (منها 1.9 مليون خلال هذا العام فقط).
وإذا ما عرفنا أن أغلب اقتصادات العالم الرأسمالي يمر الآن في حالة ركود شديد يرى بعض المحللين الاقتصاديين أنها ستتحول لا محالة إلى كساد اقتصادي ستكون أشد وطأة من الكساد العظيم الذي حدث فى عام 1929، فإن الاقتصاد الكويتي سيتأثر حتما بما يجري في العالم لا سيما أن سعر برميل النفط قد وصل إلى 37.9 دولارا بينما اعتمدت الحكومة في تقديراتها المالية لسنوات الخطة القادمة على أساس أن سعر البرميل هو 50 دولارا، الأمر الذي سيكون له الأثر البالغ على خطط ومشاريع الدولة المستقبلية التي من المفترض أنها ستخلق فرصا وظيفية جديدة تخفف من معدلات البطالة المتزايدة عاما بعد آخر وتستوعب جزءا من الـ 15000 فرصة وظيفية جديدة المطلوب توفيرها في سوق العمل سنويا.يضاف إلى ذلك أن بعض المؤسسات والشركات الخاصة سيقوم بالاستغناء عن جزء من العاملين لديه نظرا لاضطراره لتخفيض المصروفات للتأقلم مع نسب الخسائر التي مني بها نتيجة للأزمة المالية العالمية، حيث ستتم عمليات اندماج لبعض المؤسسات والشركات الخاصة أو ربما يصل الأمر إلى عمليات تصفية أو إعلان إفلاس لبعض الشركات. صحيح أن القطاع الحكومي هو المشغِّل الأكبر لقوة العمل في الكويت (أكثر من 80%)، ولكن يظل للقطاع الخاص دور مهم في توظيف جزء لا بأس به من العمالة الوطنية، علاوة على أن القطاع الحكومي لم يعد يستوعب المزيد من البطالة المقنَّعة وسيعاني هو الآخر تأثيرات الأزمة المالية العالمية. لذا وبعيدا عن التمنيات أو التصريحات الإعلامية المستهلكة، فإن المطلوب يتمثل في خطط وبرامج واقعية تعلن عنها الحكومة على وجه السرعة لمواجهة مشكلة البطالة التي حتما ستزداد معدلاتها. ولن يفيد هنا الاستمرار في الادعاءات الحكومــــية الســابقة و البعيدة عن الواقع بأنه لا يوجد بطالة حقيقية بين الكويتيين رغم أن الكشوف الرسمية تبين أن هنالك أكثر من 25000 عاطل عن العمل تمثل الإناث النسبة الغالبة منها. والآن مع المتغيرات المالية العالمية الجديدة المتسارعة، فإن الحقيقة التي لابد من مواجهتها هي أننا سنواجه مشكلة بطالة حقيقية ستكون معدلاتها مرتفعة بين قطاع الشباب لأنهم الفئة الغالبة بين المواطنين، وما التحذيرات التي بدأت تنطلق من قبل القطاع المصرفي وشركات الاستثمار من أنها ستضطر إلى الاستغناء عن جزء من العمالة الوطنية قد تتجاوز نسبتها 20% من جموع العاملين لديهم، سوى بداية المشكلة الجديدة التي حتما ستضاعف أعداد العاطلين عن العمل. لقد كنا نتوقع أن تطل علينا البطالة باستحياء من الشباك، وإذا بها تفاجئنا بالدخول سافرة من الباب مباشرة، فهل نحن على استعداد لمقاومتها حتى نخفف، على الأقل، من وطأة آثارها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية؟