تقرير منظمة العفو الدولية الصادر أخيرا حول أوضاع حقوق الإنسان في العالم، أعلن «ستة عقود من الإخفاق على صعيد حقوق الإنسان». وأظهر عن حق، الظلم وانعدام المساواة والإفلات من العقاب، باعتبارها «السمات المميزة لعالمنا اليوم».

Ad

الناس يتعرضون للتعذيب وسوء المعالة في ما لا يقل عن 81 دولة، يقول التقرير، يواجهون المحاكمات الجائرة في 54 بلدا على الأقل، وينتهك حقهم في حرية التعبير في نحو 77 دولة.

يقع الإخفاق على عاتق قادة العالم الذين طالبتهم المنظمة بالاعتذار. خصوصا بعد أن جعلت «الحرب على الإرهاب» من قادة العالم الديمقراطي، شركاء فعليين لأقرانهم في الدول الأكثر انتهاكا لحقوق الإنسان.

لكن هل يصح القول إن الإخفاق يقع أيضا في جزء منه ولو بسيط، على عاتق الحركات الحقوقية المختلفة؟

إن منظمات تهتم بحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، كمنظمة العفو الدولية، لا يمكن التقليل من أهميتها أو الاستهانة بما تبذله من جهد في إطار نصرة حقوق الإنسان والدفاع عن ضحايا الانتهاكات. وقد استخدمت في سبيل ذلك وسائل متنوعة، من إصدار البيانات والتقارير وإرسال الرسائل إلى الحكومات المعنية والمشاركة في الاعتصامات السلمية أو تنظيمها.

ومع ذلك، وبينما الانتهاكات كانت تمتد وتتوسع وتتبادل الحضور والفعالية بين الدول الديمقراطية ودول الاستبداد، وحيث تنوعت أشكال تلك الانتهاكات وابتدعت لها أساليب جديدة بمضامين قديمة، بقيت الحركة الحقوقية في العالم بشكل عام، على أساليبها ومحدودية تأثيرها، والذي يصل إلى درجة كبيرة من الضعف حين يتعلق الأمر بدول السجل الأسود في الانتهاكات. وإذا كانت تلك المنظمات قادرة على التأثير نسبيا في مراكز صنع القرار في بلدانها عندما يتعلق الأمر بقضية ذات بعد محلي، فلا دور يذكر لها في ما يتعلق بعلاقة حكوماتها بدول الانتهاك المستديم. ومازالت حكومات الغرب الديمقراطي تحظى بأفضل العلاقات مع تلك الدول، في تجاهل تام، أو اهتمام خجول ومتواضع، لأوضاع حقوق الإنسان فيها. وعلى هذا بقي دور تلك المنظمات الدولية محصورا هنا إلى حد بعيد، بدور التوثيق للانتهاكات والتنديد بها.

عربيا، جرى نقل تجربة تلك الحركة بحرفيتها إلى حد بعيد وفي معظم الأحيان، من حيث أساليب العمل والخطاب الحقوقي على السواء، مع تجاهل اختلاف الظرف السياسي والثقافي المحيط بكل تجربة. والوسائل التي قد يكون لها شيء من التأثير في العالم الديمقراطي، من حيث التوجه إلى الرأي العام للحصول على تأييده وضغطه في هذه القضية أو تلك، أو مخاطبة السلطات المعنية التي تنتظر موسما انتخابيا أو تخشى فضيحة إعلامية، تلك الوسائل جرى استخدامها في دولنا حيث تنحصر أطراف القضية في ضحية الانتهاك والسلطة والحركة الحقوقية، في غياب شبه كامل معظم الأحيان للرأي العام وتأثيراته. وفي ظل تأبيد السلطات الحاكمة في مناصبها، واهتزاز استقلالية القضاء واستشراء الفساد، ما يجعل معظم المسؤولين الحكوميين ينامون مرتاحي «الضمير» والبال، وبغير خوف من مساءلة أو محاسبة.

من ناحية أخرى، وإذا كان لمفردات الخطاب الحقوقي العالمي من صدى لدى مواطني الدول الديمقراطية، لترسخها في وعيهم ثقافة وممارسة محمية بنصوص قانونية ومؤسسات تراقب وتحاسب، فهي قد واجهت «غربة» حقيقية لدى مواطني الكثير من الدول العربية التي عرفت حركات حقوقية مماثلة. أغلبية المواطنين ربما، تعي أنه من الظلم التعرض للتعذيب أو السجن خلافا للقانون، لكنهم لا يتجاوبون ببساطة مع مفردات ومصطلحات تعبر حقيقة عما يعتقدون، قد يجدونها غريبة عن ثقافتهم ووعيهم، ولم تدخل قبلا قواميس قوانين ودساتير بلدانهم، ولا درجوا على ممارسة مضامينها حتى في ما بينهم. وهذا أمر لا يجب الاستهانة به.

فلنقارن مثلا، بين التأثير ومقدار التفاعل العقلي والعاطفي الذي تتركه مفردة «أسير» على مواطن عربي، في مقابل ما تتركه مفردة «معتقل». أو فلنلحظ الازدواجية التي يستخدم بها الفرد مفردات حقوقية معينة، لأسباب عقائدية أو دينية أو سياسية، وهو أمر لم ينج منه حتى بعض من يعدون أنفسهم «فقهاء» الحركة الحقوقية العربية. وعلى ذلك، فإن الحق في الحياة لا يتعارض لدى هؤلاء مع العمليات الانتحارية في حالات محددة على سبيل المثال.

وإذا كانت علاقة المنظمات الحقوقية العربية، غالبا ما تتميز بالتوتر الظاهر أو الخفي مع سلطات بلدانها، فإن ما يميزها في علاقتها بالمواطنين، هو انعدامها في معظم الأحيان مع الشرائح الأوسع من المجتمع، واقتصارها على فئة محدودة جدا من ضحايا الانتهاكات.

على الأقل، هذا ما ينطبق على التجربة الحقوقية السورية. ولعل ذلك قد يكون أحد أسباب تغاضي السلطات، نسبيا طبعا، عن تأسيس المنظمات الحقوقية وممارسة نشاطها المحدود. بغير أن نغفل على أي حال، كل ما تتعرض له الحركة الحقوقية العربية في غير بلد عربي، من مضايقات وقمع وانتهاكات، وفي صعوبات التواصل مع مجتمع يفتقر إلى ثقافة حقوق الإنسان أصلا، وهو ما يحول مع أسباب أخرى، دون التفاعل مع نشاط تلك المنظمات وأهدافها. وعلى أي حال، فإن محدودية فعالية وسائل عمل هذه المنظمات لا يعني الاستغناء عنها، لكنه لا يتعارض مع ضرورة إعادة النظر في الأداء وأدواته بين حين وآخر.

* كاتبة سورية