أخطأ الذين اعترضوا على ذهاب الشيخ أحمد الفهد الأحمد الصباح الى الضفة الغربية، ومحاولته الوصول الى القدس الشريف والصلاة في المسجد الأقصى وزيارة قبة الصخرة المشرفة، فالتطبيع الذي ألصقت تهمته برجل كان والده، رحمه الله، أحد مقاتلي الثورة الفلسطينية عندما كانت في ذروة توهجها، ليس بالذهاب الى فلسطين ولا بتجشم الصعاب والمرور من بين حراب جنود الجيش الإسرائيلي للوصول الى أبناء الشعب الفلسطيني الصامد في أرضه، والمتمسك بكل ذرة تراب فيها والمدافع عن شرف الأمة العربية، والاطلاع على أحوالهم وظروفهم وإشعارهم بأن أمتهم معهم، وأن الشعب الكويتي لايزال هو ذلك الشعب الكويتي الذي احتضن القضية الفلسطينية ووضعها في بؤبؤ العين.

Ad

إن فلسطين هي أرض عربية، وانه لتعزيز صمود أهلها وتمسكهم بوطنهم الذي لا وطن لهم غيره لابد من تقدير ما قام به الشيخ أحمد الفهد، ولابد من تشجيع هذه الظاهرة النبيلة، القومية والوطنية، ولعل ما يجب ان يكون معروفاً هو ان «التطبيع» ليس ان يقوم عربي بزيارة أرض عربية، ومسلم بزيارة أرض مسلمة تحت الاحتلال، وإنما الاعتراف بالرواية الإسرائيلية للتاريخ، وإقامة علاقات ثقافية وسياسية مع العدو، الذي سطا على هذه الأرض المقدسة في لحظة مريضة وبحجة الوعد الإلهي و«ان أرضاً بلا شعب يجب ان تكون لشعب بلا أرض».

في زيارته الى فلسطين لم يلتق الشيخ أحمد الفهد، الذي كان والده، رحمه الله، قد التقى الإسرائيليين في ميدان القتال أكثر من مرة، أي إسرائيلي سواء مسؤولاً أو غير مسؤول، والمؤكد ان مروره من بين حراب جنود الجيش الإسرائيلي وهو يحاول الوصول الى القدس والصلاة في المسجد الأقصى والتبرك بقبة الصخرة المشرفة المكان الذي صعد منه رسولنا العظيم محمد، عليه الصلاة والسلام الى السماء، قد زاده حقداً على المحتلين وزاده قناعة بحق الشعب الفلسطيني المجاهد في أن يقرر مصيره بنفسه وأن يدحر الاحتلال ويقيم دولته المستقلة المنشودة.

في سنوات سابقة وبحجة الخوف من تهمة «التطبيع» شارك العرب كلهم ومن بينهم الفلسطينيون في فرض العزلة على فلسطينيي عام 1948، الذين تمسكوا بوطنهم ولم يهاجروا مع من هاجر ويلجأوا الى الخارج مع من لجأ، ومعاملتهم معاملة الإسرائيليين، وتركهم فريسة للذين يحتلون أرضهم وبالتالي إشعارهم بأنه لا عمق لهم في اتجاه وطنهم العربي وفي اتجاه أمتهم العربية وأن خيارهم الوحيد هو ان يكونوا مواطنين مخلصين في الدولة الإسرائيلية.

في عام 1969 أقيم مهرجان الشبيبة العالمي الذي اعتادت الدول الاشتراكية والأحزاب الشيوعية إقامته سنوياً في إحدى العواصم التي تدور في فلك الاتحاد السوفييتي وتابعة لـ«موسكو» مثابة كل شيوعيي العالم وقبلتهم وكان الخطأ الذي لا يغتفر الذي ارتكبته الوفود العربية المشاركة، هو مقاطعة الشاعرين الفلسطينيين الكبيرين محمود درويش، رحمه الله، وسميح القاسم، أطال الله عمره، لأنهما أتيا الى صوفيا عاصمة بلغاريا لحضور هذا المهرجان والمشاركة فيه في إطار وفد الحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكاح) الذي كان ولايزال في حقيقة الأمر حزباً فلسطينياً أعضاءً وتوجهات ومواقف سياسية.

كاتب وسياسي أردني