إنه لأمر إيجابي بالفعل أن يرسل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط رسالة تهنئة إلى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بمناسبة الذكرى الثلاثين لثورتها، لكن الأمر الأهم الذي ينبغي على هذا الزعيم اللبناني أن يستوعبه هو أن سورية الأسد التي يعاديها دون وجه حق هي نفسها حليفة إيران الاستراتيجية التي يهنئها، وهي نفسها شريكة «حزب الله» اللبناني في نصر يوليو/تموز، وجارة لبنان وخاصرته، والشقيقة الوفية لمبادئ الاستقلال والسيادة والحرية التي يتطلع إليها شعب الأرزة اللبنانية الوفي والصادق مع سورية أيضا!

Ad

كما أنه من الإيجابي جدا أن يوفد العاهل السعودي من يحمل رسالة الود والأخوة والوصال التي لطالما طالب بها العديد، واعتبروا أنها تأخرت كثيرا، ومع ذلك حسنا فعل الملك السعودي بأن اتخذ قراراً بتلافي ما فات، على طريق إصلاح ذات البين ولمّ الشمل العربي، لكن ما ينبغي التنبيه إليه جيداً ومبكراً بأن سورية الأسد لن يغريها شيء حتى لو أعادوا لها كامل حقوقها المغتصبة في الجولان، على أن تتخلى عن إيران فإن ذلك لن يحصل، فما بالك بأن يقوم زعيم عربي بإعادة المياه إلى مجاريها الطبيعية مع دولة عربية شقيقة مهمة كسورية، وهي من يملك فضل السبق على غيرها في الدفاع عن منظومة التضامن العربي في أحلك الظروف وفي أصعب أيام الشدة!

نقول كل هذا ليس من باب الشعر ولا الشعارات ولا من نوع الكلام المستعار، بل لمعرفة عميقة بمدرسة الأسد التاريخية، وكيف تقيس الموازين، وكيف تعقد التحالفات، وكيف تصبر عند الشدة على ضائقتها، ولا تقطع مع الشقيق أيا تكن خطيئته، ولا تخلع صاحبها وحليفها في زمن تدفق المصالحات والمبادرات.

فدمشق كما طهران تعرف إلى أين تتجه رياح السياسات الدولية بعد انتصاري يوليو ويناير، وكيف أن إمبراطورية الأمس التي ظنت هي ومن هابوها أو انبهروا بها أو خفضوا جناح الذل لها، بأنها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها «بساطير» عساكرها المنتشرين في أربع رياح الأرض، هي اليوم أشبه بـ«الرجل المريض» الذي بات يتجرأ عليه حتى رموز بطانته من «كرزايات» زمن المحافظين الجدد، وكيف أنهم شربوا فجأة حليب السباع وصاروا يتحدثون بلغة مستعارة من رواد النصر، ليقولوا إن زمن الضغوط الأميركية قد ولّى.

ومع ذلك لابأس في ذلك ولا مانع من كل المصالحات والمبادرات الظاهرة والخفية والحاضرة والمستقبلية، والقوي هو من يعفو عند المقدرة، ولا يمنن على شقيق أو صديق بصفح هنا أو تغافل هناك، لكن الحديث الشريف بائن وواضح أيضا: «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين»!

والكلام هنا موجه بشكل أساسي إلى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وإن كان يصلح مثلاً لأي نظير، وهو ما ينبغي أن نكون شفافين وواضحين فيه وضوح الشمس: إن هزيمة مشروع المحافظين الجدد في العالم وليس في بلادنا العربية والإسلامية فحسب هو الأساس وراء ما يحصل وسيحصل من الآن فصاعداً من مبادرات صلح ومصالحة بين أهل الدار، وعليه فإن اليد التي تصالح هنا أو تهنئ هنا لا يمكنها أن تغدر أو تعادي هنا أيضا أي أعضاء من نفس البيت، والمبادرة التي تطلب الود والوصال هنا لا يمكنها أن توقد الفتنة والتفرقة هنا أيضا أي في زاوية أخرى من نفس البيت العربي والإسلامي.

عليكم جميعاً يا من لاتزالون واقفين على الضفة الأخرى، وأنتم تتهيبون العبور إلى ضفة المنتصرين على العدو الصهيوني المتجبر، أياً كانت قناعاتكم الحقيقية حول النصر الذي علينا تنكرون أو المغامرة التي نحن بها تتهمون، نعم عليكم أن تتيقنوا بأن سورية لا تنفك عن إيران، وإيران لا تنفك عن سورية، وكلاهما لا ينفك عن لبنان ولا عن فلسطين... عندها وعندها فقط عليكم منا واجب القول: اذهبوا فأنتم الطلقاء، وقد حان أن تنزعوا ما بقي عالقاً في ظهور أمتنا من خناجر وسموم، وترفعوا الأذى عن أهلنا كلهم!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني