شاعر القبيلة!

نشر في 24-10-2008
آخر تحديث 24-10-2008 | 00:00
 صالح القلاب ما أطول الليل في مستشفى كينكز كوليج King,s college Hospital في لندن، ففي ليلة شتائية يبدأ أولها بالإبر وينتهي بالإبر لا يغيب عن بال من تذكر كل الاحبة الذين رحلوا، وفي مقدمتهم أحمد الربعي (أبو قتيبة) ذلك البيت من الشعر الجاهلي، الذي قاله صاحبه يصف ليلة كهذه الليلة اللندنية:

يسْحبُ اللَّيل نجوماً ضُلَّعاً

وبعيْنيَّ إذا نجْمٌ طَلَعْ

سألت عن صديق كويتي هو «الهاجري»، الذي كنت تعرفت عليه في اول خطوة على هذا الطريق الطويل... الطويل الذي لا يعرف عذاباته الا من سار عليه، فقيل لي إن الله منَّ عليه بالشفاء، وانه عاد الى بلده، فحمدت العلي القدير: «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».

في صفحة يوميات «الشرق الاوسط» التي بقيت أطارحها الحب والغرام حتى تبيَّن الخيط الابيض من الخيط الأسود وبدأ «نمل» «كينكز كوليج هوسْبتل» نشاطه اليومي توقفت عند خبر لوحة صينية للفنان الصيني زنغْ فانْ زي تعرضها الآن دار كرستيز للمزادات في هونغ كونغ، وبعد التدقيق في هذه اللوحة المصنفة في اطار الفن المعاصر وجدت انها عن الثورة الثقافية التي تفجرت في ستينيات القرن الماضي، وقد كنت من اشد المتحمسين لها، الى حد انني اعتبرت ليوتشاوتشي وامرأته ألد اعدائي لأن تلك الثورة الطلابية الشبابية اعتبرته ألد أعدائها.

في بداية اللوحة يبدو «الرفيق» ماوتسي تونغ يرسل نظره بعيدا عبر الافق، وهو يقف وعلى يساره اهم دبلوماسي عرفته الصين المعاصرة، الذي هو تشو إن لاي وعلى يمينه لين بياو صاحب فكرة الكتاب الاحمر الشهير، الذي بدأ خلافه مع «عصابة الاربعة» مبكرا، وفرَّ الى الاتحاد السوفييتي، الذي اصبح اسمه في الادبيات الماوية «الامبريالية الاشتراكية»، لكن طائرة «ميغ» ادركت طائرته قبل ان تصل الى الاجواء السوفييتية واسقطتها، فانتهى هذا الثائر الذي كان احد رموز مسيرة الالف ميل نهاية مأساوية.

في سنوات لاحقة جدا، وبعد ان هداني الله وخلعتُ الماركسية- اللينينية- أفكار ماوتسي تونغ، كما خلع ابو موسى الاشعري صاحبه، وليس في ذلك اي عيب، فقد قال فيلسوف فرنسي قديم، وليس برناردو شو كما يقال: «من لم يصبح يساريا وهو دون الاربعين من عمره فلا قلب له، ومن بقي يساريا بعد ذلك فلا عقل له».

في سنوات لاحقة أصبحت وزير إعلام المملكة الاردنية الهاشمية ووزير الثقافة فيها في الوقت ذاته، وذهبت إلى بكين، التي كنت زرتها مرات عدة، وهناك التقيت في أحد منتجعات ماوتسي تونغ السابقة رجلاً قد غزا الشيب فوديه، كنت قد تعرفت عليه ايام الثورة الثقافية، فبادرني بالسؤال: ماذا تفعل الآن...؟ وكان جوابي لقد أصبحت شاعر قبيلتي، ولقد انتقلت بإعجابي من ماوتسي تونغ الى دينغْ سياوْ بينغْ «العظيم»!

* كاتب وسياسي أردني

back to top