ما كان المفترض ان يتحمل وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري وحده عبء الدفاع عن مشروع الاتفاق الأمني بين بغداد وواشنطن، سواءً قدم الأميركيون تنازلات كبيرة، كما قال رئيس الوزراء نوري المالكي، أم لم يقدموا فالأكراد متهمون بدون أي وجــه حق بأنهم الأكثر «استقتالاً» على وجود مستمر ، عسكري وأمني وسياسي، للأميركيين في العراق وأنهم الأكثر حرصاً على الترويج لأي اتفاقية توفر مثل هذا الوجود.

Ad

وأيضاً فإنه ما كان مفترضاً ان يذهب نوري المالكي الى المرجع الذي يعتبر أهم المراجع الشيعية في النجف الأشرف السيد علي السيستاني لينال مباركته على هذا الاتفاق الذي يوصف بأنه اقترب من لحظة التوقيع، فهذا رجل دين محسوب على طائفة دون غيرها، ولذلك فإن الاستعانة بمباركته لقضية مصيرية كهذه القضية سيستفزُّ حتماً الطائفة السنية وسيجعلها تتخذ مواقف أكثر تشدداً وأكثر سلبية.

ثم إنه ما كان على الطائفة السنية، التي دفعت، ودفَّعت معها الشعب العراقي، أثماناً غالية لاتخاذها المواقف التي اتخذتها، منذ احتلال العراق حتى فترة ما قبل ظاهرة «الصحوات»، تلك المواقف التي أظهرتها وكأنها جزء لا يتجزأ من حكم صدام حسين، وأنه لابد من عزلها وتحالف كل المكونات الأخرى الشيعة والأكــراد وغيرهما ضدها، وهذا هو ما حصل عندما اعتبرت أنها «الضلع القاصر» عند توزيع الكعكة العراقية.

ربما يرى البعض أنه على الأكراد الذين وفَّرت لهم الولايات المتحدة حماية إقليمهم، كردستان العراق، نحو ثلاثة عشر عاماً ألا يعضوا اليد التي تقدمت إليهم في لحظة عسرتهم بالدعم والإحسان، لكن ومع ضرورة تفهُّم هذه المسألة وفهمها فإنه لابد من الأخذ بعين الاعتبار ان مصير هؤلاء الأكراد العراقيين مرتبط بمصير العراق، وأنه من غير الجائز ان يكون الرهان على أميركا وحدها، ولاسيما أن هذه الدولة العملاقة تنحاز في النهاية ودائماً وأبداً لمصالحها وأنها اعتادت من أجل هذه المصالح ان تتخلى عن أعزِّ أصدقائها وأكثرهم مودة وإخلاصاً.

إنه لاشك في أنه على الأكراد... أكراد العراق، بحكم معاناتهم الطويلة وبحكم طبيعة النضال التاريخي الذي خاضوه على مدى عشرات الأعوام ضد الاضطهاد والقهر والاستعباد، ان يكونوا الأكثر واقعية من جميع الفئات العراقية الأخرى، لكن ومع ذلك فإنه ما كان يجب ان يذهب الحماس الى هذا الاتفاق الأمني مع الأميركيين بـ«الصديق» هوشيار زيباري الى هذا الحد من الظهور بمظهر محامي الشيطان، وخصوصا أن هناك من هم أولى منه بتبني هذه القضية المعقدة، والمقصود هنا هو السيد نوري المالكي الذي يحتل موقع رئيس الوزراء باسم حزب الدعوة العريق الذي مهما حاول اتخاذ موقف الحياد فإنه سيبقى محسوباً على طهران، وسيبقى «مكلفاً» تجاه الولي الفقيه وحوزة «قُمْ» المجاورة لمرقد السيدة معصومة.

* كاتب وسياسي أردني