غالباً ما يصوَّر جاكي شان على أنه بطل الكونغ فو المرح الأخرق، لكن الأمبراطورية الواسعة النطاق في عالم الأعمال تعكس شخصية مختلفة، فهو رجل طموح ومثابر يتمتع بدراية مالية تفوق لكمته حدة ودقة.على الرغم من أصوله المتواضعة، نجح بطل أفلام الحركة جاكي شان، البالغ 54 عاماً، في الحفاظ على مركزه كأحد ممثلي آسيا الأغلى أجراً طوال أكثر من ثلاثة عقود، لكن حتى أبرع لاعبي الكونغ فو لهم نقاط ضعف. يبدو أن نقطة ضعف شان هي عدم قدرته على رفض كل ما ينهال عليه من عروض دعم المنتجات وصفقات الإعلانات المربحة التي لا تُعد ولا تحصى، روَّج لمختلف البضائع من قمصان هانز إلى أكياس نفايات هافتي ومشروب ماونتن ديو.
علاوة على ذلك، يتولى شان، بتوجيه من مدير أعماله ويلي شان الذي يعمل معه منذ زمن طويل، الإشراف على مجموعة ملابس ومعدات رياضية خاصة به، فضلاً عن تسجيل عشرات أسطوانات الـ CD. يُعتبر من أكثر نجوم عالم السينما كرماً. تبرع بجزء كبير من ثروته لمساعدة المنكوبين والجمعيات الخيرية المخصصة للأولاد، كذلك عمل سفيراً للنوايا الحسنة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).
الصين والتبت
تبين أن دور شان الأخير كناطق باسم الألعاب الأولمبية في بكين هو الأصعب حتى الآن، للحظات عجز عن ايجاد كلمات مناسبة يدافع بها عن الصين في وجه المعارضة العالمية للقمع، الذي تمارسه تلك الدولة في التبت.
ذكر شان: «هذا محزن، محزن جداً، لكننا نشهد ذلك في كل موسم للألعاب الأولمبية. لا مفر من ذلك. في الألعاب الأولمبية التالية سيحدث أمر مماثل، فعندما أعلنت لندن عن استضافتها الألعاب الأولمبية، وقعت عمليات تفجير. لكنني السفير الأولمبي، وأود أن أقول: الألعاب الأولمبية هي الألعاب الأولمبية. لا يمكنكم أن تخلطوا الرياضة بالسياسة، الألعاب الأولمبية في نظري هي رمز المحبة والسلام والوحدة، فكلما أقامها بلد ما، نسمع أصواتاً معارضة كثيرة. يركز الجميع هذه السنة على الصين، لكن تلك الأمور لا تحدث في الصين فحسب، بل أيضاً في مختلف بلدان العالم. أرجوكم تفهَّموا الوضع. إنهم مجرد أولاد أشقياء يريدون الظهور على شاشات التلفزيون. هنا تكمن المشكلة، إنهم يسيئون الفهم. أرغب في الترحيب بالسياح في الصين، سأقف في المطار وأنحني لهم مرحباً...».
ماذا عن التبت؟ يجيب شان بعبارات غير مفهومة: «إنه تاريخ قديم، ولا يقتصر على سنتين أو ثلاث. إنه ملايين السنين من التاريخ والأساطير، ولا أحد يستطيع أن يحل هذا النوع من المشاكل. دعوا التاريخ يخبرنا، دعوا الوقت المناسب يخبرنا».
يتضح من رده أن شان ضائع من دون نص مكتوب، خصوصاً بعد التظاهرات الأخيرة المناهضة للصين في التبت، التي أودت بحياة أكثر من 22 شخصاً. تزامنت التظاهرات بشكل غير ملائم مع ترويجه لفيلمه الأخيرThe Forbidden Kingdom، وهو ثمرة تعاون طال انتظاره بين شان وجيت لي، الممثلين الأغلى أجراً في آسيا. يقول شان، الذي يحاول جاهداً تفادي الأسئلة عن التبت: «أعرف لي منذ سنوات، لكن بعدما عملت معه، أدركت أنه إنسان هادئ جداً».
يضيف مستطرداً: «صحيح أن لي مضحك، لكنه يعتمد أسلوباً مختلفاً لإضحاك المشاهد. أجيد إضحاك الناس، إلا أنه أفضل مني في هذا المجال. يختبئ طوال الوقت. كاد يموت في كارثة التسونامي. أنقذ ابنتيه وحملهما إلى بر الأمان، ثم أصبح بوذياً، ويمضي معظم أوقاته في التأمل مختبئاً في الفنادق. أسخر منه دوماً».
طفولة صعبة
شان متزوج منذ 25 عاماً بالممثلة التايوانية لي فين شياو، يقول في هذا المجال: «أنا محظوظ جداً لأنني تزوجت بامرأة مثلها. لا تتباهى مطلقاً وتحاول الاختباء دوماً، وهي لا تشتري مجوهرات باهظة الثمن».
على الرغم من كرم شان، علمته طفولته الصعبة قيمة المال. هرب والداه تشارلز وليلي شان من الحرب الأهلية الصينية، فتوجها في البداية إلى هونغ كونغ، حيث عملا لدى السفير الفرنسي، ثم انتقلا إلى أستراليا.
يُقر شان أن طفولته كانت حزينة، أخبر مجلة US Parade: «عشنا في السفارة الفرنسية حيث عمل والدي طاهياً ووالدتي خادمة. كنت أبكي كثيراً، لذلك صارت أمي تحملني إلى الخارج خلال الليل كي لا أوقظ أحداً». في السابعة من عمره، ألح على والديه ليرسلاه إلى أكاديمية الدراما الصينية الشهيرة في بكين، حيث برع في الفنون القتالية والألعاب البهلوانية. يتذكر: «استمتعت كثيراً خلال الأيام الثلاثة الأولى، لكن بعد ذلك، تعرضت للضرب للمرة الأولى في الأكاديمية. ما زلت أذكر أنني أوقعت قليلاً من الرز على الأرض، فضربني الأستاذ بالعصا».
يروي شان أن الأولاد في الأكاديمية كانوا ينالون قليلاً من الطعام وكثيراً من التأديب، ويقول: «كنت أتعرض للضرب يومياً تقريباً. لم أنسَ يوماً ما مررت به، حتى إنني صرت أرفض أن أضرب أي إنسان. لا أريد أن يظن الأولاد أن من الجيد ضرب شخص ما. رغبت بشدة في ترك ذلك المكان، لكنني عجزت عن ذلك لأن والديّ كانا قد وقعا عقداً، وعندما انتقلا من هونغ كونغ إلى أستراليا، شعرت بالغضب لأنهما تركاني وحيداً».
نظام المدرسة العنيف والقاسي، الذي شمل تعليم الكونغ فو والألعاب البهلوانية والتمثيل والغناء، فضلاً عن أعمال التنظيف، عاد على شان بفائدة كبيرة. وظفت شركات الأوبرا في بكين الكثير من خريجيها، وفي أواخر الستينيات، كانت أفلام الكونغ فو تلاقي نجاحاً كبيراً، فاستُخدم شان وزملاؤه في الصف للقيام بمجازفات خطرة.
غير أنه لم يكسب المال الوفير من عمله، بما أن معلمه احتفظ بالمكاسب لنفسه، تاركاً شان وزملاء صفه فقراء معدمين. يوضح: «أعتقد أن فقري جعلني أدرك أخيراً مأساة والديّ. لغاية تلك المرحلة، كنت أشعر بالغضب، ظناً أنهما يؤمّنان لي حياة أفضل بإدخالي إلى تلك المدرسة. لذلك أردت أن يفخرا بي».
وإذ سكنته الرغبة في الحصول على كل ما افتقده والداه، أصبح شان في سن الثامنة عشرة أصغر منسق مجازفات في هونغ كونغ. مع أنه جنى المال الوفير من أدائه دور البديل لبروس لي في فيلميه Fist of Fury وEnter the Dragon، أراد أن يصبح نجماً أيضاً.
لاحظ المخرج لو وي موهبة شان وعمل على تحويله إلى نسخة من بروس لي، فغير اسمه إلى شينغ لانغ، أي «التحوّل إلى تنين». لكن فرصه بالنجاح تحطمت بعدما صوَّره وي نسخة باهتة من بروس لي في New Fist of Fury عام 1976. بتوجيه من المنتج ويلي شان في هونغ كونغ، بدأ يبتكر شخصية فكاهية خرقاء دفعته إلى تصدر أولى الأفلام على شباك التذاكر في آسيا.
نجاح عالميّ
سعى بعد ذلك إلى تحقيق النجاح في هوليوود، فظهر في فيلم Cannonball Run في ثمانينيات القرن العشرين، لكن أمله خاب عندما مر دوره مرور الكرام، لذلك عاد إلى هونغ كونغ. بعد عشرة أعوام، رجع إلى بيفرلي هيلز مع زوجته وابنه حيث أثمر عمله الدؤوب أخيراً وحقق النجاح في الغرب مع فيلمي Rush Hour وShanghai Noon.
يقيّم شان بصراحة مطلقة الحياة المهنية الضيقة النطاق التي بناها نجوم أفلام الحركة، أمثال جون كلود فاندام وستيفن سيغال. لعل السبب في صراحته أن الإنكليزية هي لغته الثانية، يقول: «رسموا منذ البداية صورة لم تتبدل، مثلا، ستيفن سيغال هو دوماً الرجل القوي الذي يقاتل باستمرار، لكن أرنولد شوارزنيغر ممثل ذكي، مثل الجزء الأول والثاني من فيلم Terminator، ثم صور الفيلم الفكاهي The Kindergarten.
يتابع شان: «أعتقد أنني مختلف، بدأت مع الأفلام الفكاهية التي أدت إلى أنواع كثيرة أخرى، مثل الأفلام البوليسية... لدي أدوار عدة وأمامي فرص كثيرة لأقوم بأمور مختلفة. لهذا السبب، حسبما أعتقد، ما زلت مستمراً في مجال السينما».
حاز شان وسام الإمبراطورية البريطانية عام 1989 لقاء خدماته في عالم الترفيه. من الواضح أن المسؤولين عن الألعاب الأولمبية في بكين يعتمدون على فكاهة شان التي لا تُقاوم ليجتازوا بنجاح أسوأ الانتقادات العامة.
هل يظن شان أنه نجح في تلك المهمة؟ يجيب بكل جدية: «لا أعلم. أنت أخبرني! لم تكن مهمة سهلة، لكنني مستعد للقيام بها في سبيل حبي لوطني».