Ad

عندما يتعلق الأمر بنا كقطعان ماشية سنقفز، لأننا في الواقع نسخ من صورة تلك المرأة الصالحة، التي قفزت عن السلم، ومن شأننا أن نسعد جدا بقدرة أمثالنا على ممارسة أسوأ أشكال الذل بأعلى درجات الذكاء!

تحدثّنا طرفة فقهية عن زوج رأى زوجته تصعد السلّم، فاستوقفها قائلاً: أنت طالق إذا صعدت، وطالق إذا نزلت، وطالق إذا وقفت... فما كان منها إلا أن قفزت إلى الأرض من منتصف السلم!

ذكية... أليست كذلك؟ ومن حق زوجها الصالح أن يغتبط لذكائها... أليس كذلك؟ ومن واجبنا نحن السامعين الكرام أن نرسل إليهما من مجامع قلوبنا أسمى آيات التهنئة والإعجاب... أليس كذلك؟

نعم... هو كذلك، عندما يتعلق الأمر بنا كقطعان ماشية، لأننا في الواقع نسخ من صورة تلك المرأة الصالحة، ومن شأننا أن نسعد جدا بقدرة أمثالنا على ممارسة أسوأ أشكال الذل بأعلى درجات الذكاء!

لكن الأمر ليس كذلك إطلاقاً، إذا كنا على سوية البشر الأحرار، ذلك لأن المكان والحدث والشخوص ستتيح لنا، حينئذ، رؤية الأمر بصورة أفضل، وستفتح في جدران تلك الطرفة نوافذ خيارات أخرى غير ذلك الخيار الذي لا يؤدي إلا إلى عيادة الكسور في مستشفى العظام، ولا يعود إلا إلى حظيرة ذلك الفحل الصالح الذي في يده عقدة الطلاق... وكل عقد الدنيا الأخرى.

لا ريب أن الطرفة ستفقد طرافتها إذا نحن فتحناها على خيارات أخرى، لكن ذلك ثمن بخس مقابل استعادة الدنيا لبهجتها، واستعادتنا نحن لسويتنا الإنسانية.

لنفرض أن المرأة ليست ذكية بما يكفي، ولذلك فإنها وقفت لتفكر في حل لمشكلتها، ولنفرض أن الزوج رأى أنها استغرقت من الوقت ما جعلها في حالة الوقوف الناجز... عندئذ ستكون المشكلة برمتها قد وجدت الحل، إذ ليس على المرأة إلا أن تزغرد من صميم قلبها، لخلاصها من مثل هذا الرجل الأحمق.

أو فلتبق المرأة ذكية كما هي في الطرفة لكي يمكننا الافتراض أنها بادرت فورا إلى النزول ثم حزمت أمتعتها، واستدارت في طريقها إلى الباب، لتشكر الذي في يده عقدة العقد، ولتذكره بأنه يعرف مكان بيت أهلها، وعليه فإنه لن يجد عناء في إيصال ورقة الطلاق السعيد إليها.

أما إذا كان البيت ملكها، فما عليها إلا أن تفتح له الباب، وهو بلا شك سيعرف طريقه جيدا إلى الشارع... لكننا سنظل في شك بالنسبة لهذا الاحتمال، لأن من لا يملك البيت سيكون أعقل قليلا من اللعب بعقدة الطلاق، وأكثر مهارة في ترويض عقده النفسية المتراكبة.

هناك خيار آخر أمام المرأة، هو أن تصعد إلى الطابق الثاني لانتقاء أحد خيارين: فإما أن تتصل بالقاضي طالبة منه تأديب ذلك البهلوان، وإما أن تتصل بمستشفى المجانين محددة بالضبط مقاس بعلها، لكي لا يكون قميص المستشفى ضيقا بحيث يصعب معه ربط أردانه من ورائه بسهولة.

ولأن المرأة ذكية كما تقول الطرفة، فإنها ستستبعد خيار الاتصال بالقاضي، لخشيتها من أنه كفحل وكفقيه، سوف لن تسهل عليه التضحية بتلك الطرفة الفقهية الرائعة من أجل سواد عينيها.

وعليه فنحن نميل إلى الاعتقاد بأنها ستدير قرص الهاتف، لتقول للطرف الآخر: (52).. ونفهم من هذا أنها قد أضافت أربع درجات مضاعفة إلى مقاس زوجها لتضمن أن يكون القميص (مرحرحا) بصورة كافية لتقييده جيدا.

نحن هنا نتحدث عن زوجة شرعية اختارت ذلك البعل بمحض إرادتها وبرضا أهلها، لا عن امرأة مخطوفة ومغتصبة، فهذه الأخيرة لا ينفعها أن تكون بطلة طرفة... بل هي تستأهل أن تكون بطلة مأساة إغريقية، وذلك لأن مثلها لن تفوز أبدا بعرض الطلاق السخي هذا من مختطفها، وعليه فإن خياراتها المفترضة هي أن تتوسل إليه راجية أن يعتقها، أو أن تتحين الفرصة للهرب أو الاتصال بالشرطة، أو أن تشعل النار في البيت، وتقفز حالا... من النافذة.

وحتى بالنسبة لحالة هذه المرأة المنكودة، تبدو حالتنا، نحن السامعين الكرام، أسوأ... فنحن لا نستطيع إقناع خاطفيها بعتقنا، لأن أدمغتهم مركبة في أعقاب بنادقهم. ولا نستطيع الهرب من البيت لأن (الغربة مذلة!). ولا نستطيع الاتصال بالشرطة لأن الاتصال بالخارج عمالة وخيانة عظمى. ولا نستطيع في النهاية، إحراق البيت، لأنه ملكنا نحن، وحتى لو فعلنا ذلك فإننا سوف لن ننجو من الاحتراق لأن الخاطف قد سمّر جميع النوافذ والأبواب، في لحظة استيلائه على البيت وعلينا.

خسائرنا بالجملة على كل اتجاه، وهذا ما يوضح سبب انحيازنا لامرأة الطرفة الفقهية، لأنها تمنحنا فرصة للادعاء بأننا اخترنا هؤلاء الخاطفين (الملهمين) بمحض إرادتنا، وبملء روحنا الرياضية والفكاهية... فبذلك وحده سيمكننا، بلا حرج أو حياء، أن نواصل القفز (بالروح والدم) إلى ما شاء الله... من فوق السلّم!

* شاعر عراقي