يشكل د.عبد العزيز التويجري، مدير عام المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «إيسسكو» التي تعد الضمير الثقافي الفاعل للأمة الإسلامية، أحد المهتمين برفع راية الثقافة الإسلامية، ودفع المثقفين المسلمين إلى تحمّل مسؤولياتهم تجاهها، ووضع الآليات المطلوبة للنهوض بها في المعركة الثقافية الطاحنة التي تسير دفتها العولمة بتموجاتها الثقافية والحضارية.

Ad

في حواره مع «الجريدة» أثناء زيارته الأخيرة إلى القاهرة، حاول التويجري تلمُّس خطى التصحيح لمسار الثقافة الإسلامية وجعلها قادرة على الصمود، في ظل ما يترصدها من اجتياحات ثقافية عالمية راهناً.

إلى أي مدى استطعت خدمة قضايا العرب والمسلمين من خلال «إيسسكو» المنظمة التي تتولى رئاستها؟

قامت «إيسسكو» لدعم التفاهم والتعاون بين الدول الإسلامية في مجالات التربية والعلوم والثقافة والاتصال، وتحقيق التكامل بين المؤسسات المتخصصة في هذه المجالات التابعة للدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، بما يحقق في النهاية الحفاظ على معالم الحضارة الإسلامية وخصائصها وحماية الشخصية الإسلامية للجاليات المسلمة في الخارج. نعمل على تحقيق الأهداف من خلال وسائل عدة نص عليها ميثاق تأسيس المنظمة، من بينها العمل على نشر الثقافة الإسلامية واللغة العربية بصفتها لغة القرآن الكريم لغير الناطقين بها في أنحاء العالم، دعم المنظمات التي تهتم بشؤون التربية والعلوم والثقافة الإسلامية، تقديم أوجه العون الممكنة للجامعات والكليات والمعاهد المتخصصة في علوم القرآن الكريم واللغة العربية والثقافة الإسلامية، تزويد المعاهد سواء كانت حكومية أو خاصة بما يلزمها للقيام بعملها من ناحية المقررات والمناهج والكتب الدراسية، دعم المراكز والمؤسسات الإسلامية المتخصصة في رعاية النشاط العلمي والتربوي الذي تقوم به هيئات وجمعيات خيرية أو حتى أفراد مهتمين بنشر الثقافة الإسلامية، تعليم اللغة العربية والقرآن الكريم، مساعدة الجامعات التابعة للبلدان غير الإسلامية في إنشاء أقسام خاصة بها للعلوم والثقافة الإسلامية وتشجيع البحوث والدراسات التي يقوم بها باحثون متخصصون لدعم الثقافة والتعليم في البلدان الإسلامية بما في ذلك تنظيم المؤتمرات والندوات الدراسية المتخصصة في ميادين التربية والعلوم والثقافة.

هل تُدعم الجاليات الإسلامية في الغرب للاستفادة من الوجود الإسلامي في المجتمعات الغربية؟

وضعت «إيسسكو» استراتيجية العمل الثقافي الإسلامي في الغرب، فأصبحت وثيقة من وثائق العمل الإسلامي المشترك، وفي إطارها نفذت المشاريع، وثمة برنامج لعقد اجتماعات مشتركة بشكل دوري مع مسؤولي المراكز الإسلامية في الغرب، ووسعت دائرة العمل في أميركا وأوروبا وآسيا في إطار الاستراتيجية، كذلك تشكل المجلس الأعلى للتربية والثقافة الإسلامية في الغرب، ويضم تسع شخصيات إسلامية لمتابعة ما تم التوصل إليه من قرارات وتوصيات، ونرجو من الدول الإسلامية أن تدعمنا لأن الاستفادة من قدرات المسلمين في الغرب ستعود بالنفع على أمتنا الإسلامية، ونحن نعمل على دعم الوجود الإسلامي في الغرب، لأن هؤلاء المسلمين أصبحوا جزءاً من المجتمعات التي يعيشون فيها، وتساعدهم المنظمة كي لا يكونوا منعزلين، فهم مواطنون ويمثلون كفاءات عالية تخدم المجتمعات التي تعيش فيها، ونرجو أن نستفيد من هذه العقول والطيور المهاجرة في إطار استراتيجية العمل الثقافي الإسلامي في الغرب.

كيف تنظر إلى الوضع الثقافي الإسلامي الراهن، وهل الثقافة الإسلامية قادرة على الصمود أمام طوفان العولمة؟

وضع الثقافة العربية والإسلامية الراهن ضعيف ولا يسمح لها بالتماسك والصمود أمام موجات العولمة وتحديات الحداثة، ومردّ ذلك ليس الى المقومات الذاتية للثقافة بل الى الضعف العام الذي يصيب الأمة العربية والإسلامية في الميادين كافة، لذا هي غير قادرة على المنافسة في سوق العرض والطلب الدولي على مستوى الإبداع والابتكار وعلى مستوى التجديد والاجتهاد. لا بد من الربط بين إصلاح الشأن العام للأمة وبين إصلاح وضع الثقافة العربية الإسلامية، فثمة تلازم بين الحالتين ينكشف من خلال تقييم العطاء الثقافي في ضوء التجارب الإنسانية، خصوصاً أن هذه الثقافة في أساسها ثقافة اجتهاد وإبداع مستمرين في إطار الضوابط الشرعية والقيم الخلقية التي تميز حضارة الإسلام، وتعبر عن هوية الأمة، لذا فإن عطاء الثقافة الإسلامية الأصيلة عطاء متجدد بتجدد الأحوال واختلاف القضايا والأفعال، وهذه الثقافة هي حائط الصد الإسلامي الحقيقي ضد اتجاهات النظام العالمي الجديد المفروض على المجتمع الدولي في مجال الثقافة، والسائر نحو طمس الهويات الثقافية ومحو السمات الحضارية للأمم والشعوب، خصوصاً أنه أمام هذا الوضع العالمي المتداخل والمعقد والمغلف بنظام العولمة الخطير، يجب على الثقافة العربية الإسلامية أن تحدد مواقفها وتوفق أوضاعها، ما يتطلب الخروج على العالم بمواقف محددة تعبر عن حقائق الأمور في العالم الإسلامي، وأن تقضي على حالة التراجع التي يحياها راهناً.

هل يؤدي المثقفون المسلمون مسؤولياتهم تجاه نشر روح الثقافة الإسلامية الصحيحة؟

فرّطت طائفة من المثقفين في العالم العربي والإسلامي، ومنها قيادات ثقافية لها تأثيرها في محيطها، في القيام بمسؤوليتها في التنوير الحقيقي وتبصير مجتمعاتها بحقائق الأمور، وحفز العناصر الحية التي تمارس الفعل الثقافي إلى الحركة الفاعلة المؤثرة في الاتجاه الصحيح، وتبيان أن قوى العولمة المعاصرة ليست سوى امتداد عضوي وأيديولوجي لقوى الاستغلال والسيطرة والاحتواء، وتعمل على تكريس التبعية من جانب الدول الأقل نمواً لتلك الأكثر نمواً، وأن المقومات الثقافية والقيم الحضارية التي تشكل الرصيد التاريخي للأمة لن تنفع بالقدر المطلوب والمؤثر والفاعل، في مواجهة العولمة الثقافية ما دامت أوضاع العالم الإسلامي على ما هي عليه في المستوى الذي لا يستجيب لطموح الأمة، ولا يجب تغييب تلك الحقيقة لأن في إخفائها والتستر عليها خطرًأ على حاضر العالم الإسلامي ومستقبله ما يزيد على تفاقم الأزمة المركبة التي تعيشها معظم البلدان الإسلامية على المستويات السياسية والاقتصاديه والاجتماعية والثقافية والعلمية، لذا كان خط الدفاع الأول على جبهة مقاومة آثار العولمة الثقافية هو النهوض بالمجتمعات الإسلامية من النواحي كافة، للتغلب على الآثار السلبية للعولمة، والإستفادة من آثارها الإيجابية في الوقت نفسه من خلال التكيف المنضبط مع المناخ الثقافي والإعلامي الذي تشكله تيارات العولمة الثقافية والتعامل الواعي مع مستجداتها ومتغيراتها وتأثيراتها.

ما هي الآليات المطلوبة لتحقيق ذلك الهدف؟

الإجراءات المطلوب اتخاذها في المدى القريب أو تفعيل ما اتخذ منها حتى الآن هي التي تشكل الموقف الإسلامي المتناسق تجاه العولمة، والتي يجب أن تستند إلى التنسيق في السياسات والتكامل بين الاختيارات والتعاون في التطبيقات، وتلك هي رسالة المؤسسات العربية والإسلامية وفي مقدمها الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والـ{إيسسكو» التي نهضت بمسؤولياتها فوضعت استراتيجيات متكاملة تشكل إطاراً للعمل الإسلامي المشترك في مجال اختصاصاتها وهي التربية والعلوم والثقافة، الأمر الذي يعد بالمقاييس كافة إنجازاً حضارياً وفر للعالم العربي والإسلامي وسائل فاعلة لتنسيق المواقف وتكامل السياسات والتعاون في تنفيذها، على النحو الذي يحقق المصالح العليا للأمة الإسلامية ويكسبها القوة والقدرة على التعامل مع نظام العولمة في مجالاتها المتعددة ومستوياتها المتنوعة، خصوصاً على المستوى الثقافي.

يتوقف مستقبل الثقافة العربية الإسلامية على إيجاد الصيغة العملية للإنتقال بها إلى الوضع الذي يسمح لها بالمساهمة المؤثرة في نادي الثقافات الإنسانية المعاصرة، بتقوية الذات وبإصلاح أحوال الأمة وتطوير المناهج والنظم التربوية والتعليمية، وبتحديث العلوم وتجديد الخطاب الثقافي للأمة.

أنت من المهتمين بمقاومة ما يُسمى بـ «العولمة اللغوية»، كيف تنظر إلى مخاطر تلك العولمة على اللغة العربية والثقافة الإسلامية؟

دخلت اللغة العربية في الألفية الثالثة مرحلة جديدة في ظل تسارع وتيرة تغيير معاني الألفاظ راهناً، خصوصاً أن السنوات الأخيرة شهدت تطوراً غير معهود في اللغة العربية، نظراً إلى تصدر العالم العربي والإسلامي واجهة الأحداث العالمية راهناً، وبذلك يكون تدوين تطور اللغة أمراً مهماً لأسباب كثيرة منها طبيعة الهجمة التي تواجه الأمة على شتى المستويات بما في ذلك المستوى اللغوي، تزايد الضغوط التي تتعرض لها اللغة العربية بسبب الانتشار المطرد لشبكة المعلومات العالمية وتطور العلوم والتقنية وانفجار المعرفة وتنامي المعلوماتية ونظم الإدارة الجديدة، زخم الإعلام المرئي بما يحمله من آثار سلبية على الفصحى. للغة شأن خطير، فما يسمى بالأبعاد اللغوية لظاهرة العولمة سواء كانت وفاقاً أم صراعاً، فإن كانت وفاقاً فإن اللغة تكون ذات شأن جليل في حوار الثقافات، ومن المتوقع أن يتخذ أنصار العولمة من علومها مرتكزاً أساسياً لعولمة الثقافة، وهم لا يقرون بالخصوصيات الثقافية للأمم والشعوب ويقفون بشدة ضد النسبية الثقافية واللغوية، ويجدون ضالتهم في التنظير اللغوي الحديث حيث تندرج اللغات الإنسانية كلها في إطار النظرية العامة للغة، أما إذا كانت العولمة صراعاً فإنها تسعى الى سيادة لغة من لغات الدول المهيمنة في العلاقات التجارية والاقتصادية وما يستتبع ذلك من سيادة ثقافتها وقيمها الخاصة، ما يفضي إلى تهميش اللغات الوطنية واحتوائها.

يجب النظر إلى العولمة اللغوية ليس من ناحية تأثيراتها في اللغة العربية باعتبارها لساناً وهوية ثقافية فحسب، بل من جانب أنها تتسبب في إرباك عملية تاريخ اللغة العربية، ويتعاظم الخطر في الألفية الثالثة، وتدل المؤشرات على أنه سيزيد تفاقماً في المستقبل المنظور، ما لم تتحرك همم حراس اللغة العربية وحمايتها لتفادي الخطر والتقليل من انعكاساته السلبية، لأن مشاكل كثيرة ستنشأ في المجال اللغوي بصورة عامة مع تنامي ظاهرة العولمة اللغوية والثقافية.

انخرط العالم الإسلامي في حوار مع الغرب، هل ترون أن هذا الحوار الذي تم كافٍ؟ وما هي الأسباب التي حالت دون ظهور ثمراته؟

الحوار بشكله الراهن غير كافٍ، لأن المشاكل كثيرة والخلافات بين العالم الإسلامي والغرب تزداد يومياً، وثمة من يريد أن يُحدث قطيعة بين هذين الطرفين، ويجعل هذه القطيعة في شكل صدام أو صراع حضاري، وهذا أمر مخيف، فالعالم الإسلامي بدأ الحوار على استحياء، والغرب لم يكن مستعداً له لأنه قوي اقتصادياً وعلمياً وتكنولوجياً وعسكرياً، فهو ليس بحاجة إلى أن يحاور الضعفاء، ونحن ضيّعنا فرصاً كثيرة كان بإمكاننا من خلال اغتنامها أن نكون في وضع أفضل مما نحن عليه اليوم، وكان سيستمع إلينا الآخرون، ويتحاورون معنا في احترام وفي مستوى الندية. يصل الغرب اليوم إلى مصالحه وأهدافه بنا أو بغيرنا، فهو غير مهتم بالحوار معنا ونحن نسعى إليه ونطلب الحوار معه، ولكي يكون مجدياً ونافعاً لا بد من أن ينظم تنظيماً جيداً وأن تكون هناك قنوات محددة للحوار ومعروفة، وليس كل من أراد أن يحاور يذهب فيحاور بأسلوبه وبطريقته، فتكثر الطرق وتضيع الأمور، ومع هذه الجماعات الكثيرة لا بد من تنظيم الحوار وإنشاء هيئة واحدة ليدرك الغرب وغيره أن للعالم الإسلامي رؤية واحدة وموقفاً واحداً من القضايا التي ننشغل بها وينشغلون بها هم أيضاً.

تعقد المنظمة مؤتمرات وندوات في الشرق والغرب، هل ترى أن هذه الجهود تخدم فعلاً مسيرة الحوار مع الآخر؟

يصب الحوار بين العالم الإسلامي وباقي الثقافات والأديان في النهاية في مصلحة تحسين صورة المسلمين التي تعرضت الى تشويه كبير في الفترة الأخيرة، ونحن نحاول من خلال هذه الندوات والمؤتمرات الوصول إلى أرضية تجمع بيننا وبين باقي الثقافات، خصوصاً أن الثقافات كافة تدعو إلى السلام والتعاون بين الشعوب، ولا نستثني من ذلك إلا بعض الثقافات والمجتمعات العنصرية مثل الصهيونية والكيان الصهيوني. لكن المؤتمرات والندوات والتواصل مع الثقافات غير الإسلامية لا تكفي بمفردها للدفاع عن صورة الإسلام الذي أصبح الآن متهما أكثر من أي وقت مضى بدعم الإرهاب، بل ثمة دور مهم متعلق بالمسلمين أنفسهم، نحتاج نحن المسلمين إلى إعادة ترتيب بيئتنا الإسلامية ترتيباً صحيحاً متماسكاً ونبذ الأفكار التي لا تمت إلى الإسلام بصلة ويعتبرها مسلمون كثر جزءاً من الدين الإسلامي.

يجب أن نعترف في هذا الصدد بأن لدينا فئات متطرفة تفهم الإسلام فهماً خاطئاً، وهي بتطرفها تسيء إلى الإسلام أكثر مما تفيده وأصبحت أفعالها مع الأسف محسوبة على العالم الإسلامي، ومحاصرة تلك العناصر واستبعادها لا يقلان أهمية عن الجهود التي نقوم بها للحوار مع المجتمعات غير الإسلامية وتصحيح صورة الإسلام فيها، بعدما تعرضت الصورة والثقافة الإسلامية إلى حملة مكثفة خلال الفترة الماضية، من قبل المتطرفين من بين جماعات اليمينيين الجدد الذين ارتفعت أسهمهم أخيراً في كثير من المجتمعات الغربية، بالإضافة إلى عودة بعض المستشرقين القدامى الى الافتراء على المسلمين والإسلام وعلى الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) وهو ما يتطلب وقفة جادة من جانب الدول الإسلامية ووسائل الإعلام التابعة لها للرد على مثل تلك الافتراءات.