رسالة أوباما إلى الإيرانيين: ربحت طهران الرهان وفاز أحمدي نجاد
لقد حانت ساعة القطاف وربحت طهران ومعها حلفاؤها الرهان، فيما تذعن واشنطن ومعها حلفاؤها للمرة الأولى بهذا الوضوح بأن زمن الإذعان وإملاء القرارات قد ولى وجاء زمن الندية وتكافؤ الأوزان.لا دلالة أقوى من بين كل الدلالات التي أُشير إليها في تعبير رسالة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى شعب إيران وقادته بمناسبة عيدهم القومي سوى ما أشرنا إليه أعلاه. لكنه وهو يتغنى بموسيقاهم وأدبهم وإبداعهم ويذعن في الوقت نفسه بـ«حق جمهورية إيران الإسلامية أن تأخذ مكانها الصحيح في المجتمع الدولي... لأنها أمة ذات ثقافة عظيمة وجليلة وحضارة عظيمة «يظهر التشويش الإسرائيلي والصهيوني على ساكن البيت الأبيض الجديد عندما يستدرك مباشرة بالقول:
«أنتم إذ تملكون هذا الحق، لكنه يأتي بمسؤوليات حقيقية، ولا يمكن شغل هذه المكانة بالإرهاب ولا بالأسلحة... وإن مقياس هذه العظمة لا يتجسد في القدرة على التدمير...». من جانبهم فإن قادة جمهورية إيران الإسلامية لم يتأخروا كثيرا في الرد عليه بالقول: «أرنا التغيير أولا حتى نتغير تجاهك... واقرن أقوالك بالأفعال... وراجع ماضي بلادك الموغل في الأذى والتآمر والتهديد وكل ما هو موحش ومدمر لحق الشعوب في تقرير المصير... وفلسطين هي العنوان الأهم... وآخر فصولها ما حصل من حرب إبادة في غزة... والكلام طويل وسنظل نراقبك ونراقب أفعالك...» كما جاء في مضمون الرد الأول لمرشد الثورة الإمام السيد علي خامنئي. لقد كان ولايزال الرهان على خيار المقاومة والممانعة الذي تظهر رسالة أوباما إلى القادة الإيرانيين بوضوح لا يقبل الشك والتردد على أن أحمدي نجاد الذي راهن عليه وأصر على المضي فيه حتى النهاية تحت كل الظروف يظهر على أنه هو الذي فاز وانتصر على خصمه بالنقاط، خلافا لأولئك الذين حذروه من مساوئ ما سموه بالموقف المتشدد، ولما يئسوا منه ربما راهنوا على نصر أميركي حاسم وبالضربة القاضية على إيران أو أحد من حلفائها لتريحهم من «صداع» أحمدي نجاد.إنه الضعف والعجز والهوان أمام صلابة موقف الواثقين والمؤمنين بالنصر، وها هو الأميركي المتوحش يلبس لبوسا إنسانيا بعيدا عن همجية غوانتنامو وأبو غريب ويلتمس الحوار. وقد بدا الحوار بالفعل على الهواء والأثير أولا والفصول القادمة تحمل العديد من المفاجآت.ليس من باب العاطفة ولا الأحاسيس مطلقا أن يتعمد المرشد بالرد على الرئيس الأميركي باستدعاء القضية الفلسطينية بكل قامتها، ويذكر ساكن البيت الأبيض الجديد بازدواجية المعايير تجاهها والدعم المطلق واللامحدود للكيان الصهيوني الغاصب للأرض العربية والحقوق الفلسطينية، بعد أن يذكره بما فعل أسلافه مع الشعب الإيراني العظيم خلال العقود الثلاثة الماضية من حصار وتهديد ومصادرة أموال وحقوق وتآمر ومشاركة في الحروب المفتوحة... والقائمة طويلة كما هي قائمة سفر الغزو المشؤوم للعراق! ومع ذلك فقد انطلق الحوار، وقد وعد صانع القرار الإيراني بمراقبة الأفعال! ثمة أنباء تروج في الكواليس بأن أوباما ربما يحضر لرسالة يبعث بها إلى المرشد، وأنه قد تم توصية الدبلوماسيين الأميركيين بالتودد إلى نظرائهم الإيرانيين والاحتكاك معهم في المناسبات العامة قدر الإمكان، وربما يعاود البيت الأبيض عبر دبلوماسية مرهفة إعادة إحياء طلبه بفتح مكتب لرعاية مصالح الأميركيين في طهران الذين يتزايد عدد الراغبين منهم في زيارة العاصمة الإيرانية. هذا بالإضافة إلى الدعوة التي ينتظر إلى تصل إلى شارع فلسطين حيث محل اجتماعات الحكومة الإيرانية الدورية برئاسة محمود أحمدي نجاد، وذلك للمشاركة في المؤتمر الدولي الذي ترعاه واشنطن حول أفغانستان، لكن ذلك كله لن يحدث الاختراق المطلوب على الطريقة التي تتمناها واشنطن.فالقصة باتت معروفة بل مفضوحة:• فصل إيران عما يسمونه بالصراع الشرق أوسطي أي الهموم والاهتمامات العربية لاسيما القضية المركزية للمسلمين أي القضية الفلسطينية. • فك الارتباط بين سورية الأسد الممانعة وإيران الإسلامية المقاومة والمستقلة، وعزلهما سويا عن هموم وخيارات فصائل المقاومة والجهاد في فلسطين ولبنان.• محاولة إغراء قوى الجهاد الفلسطيني واللبناني بحوارات متناثرة ومتقطعة من أجل «تشجيعها على الانخراط في العملية السياسية والابتعاد عن التحرك تدريجيا نحو التخلي عن السلاح» كما يقول باري مارستون الناطق باسم خارجية الاستعمار البريطاني العجوز وهو يشرح أسباب انطلاق حواره مع ما سماه بعناصر سياسية من «حزب الله»! نقول لأوباما داعية التغيير و«الإصلاح» إن أراد: إن الذي علمك أن تقول للإيرانيين: «عيد شما مبارك» وأرشدك إلى بيت شعر سعدي الشهير حول وحدة اشتراك الخلق في بني آدم كان عليه أن يقول لك أيضا بأن سعدي الكبير هذا لم يأت بهذا الكلام العظيم من عندياته، بل أتى به من كتاب المسلمين المقدس وهو القرآن الذي يجمع المسلمين ولا يسمح لأحد بالفصل بينهم، وإن سعدي هذا له بيت شعر معبر آخر يقول فيه: إذا عكست المرآة قبح وجهك صلح وجهك لا تكسر المرآة وعذرا هنا يا داعية التغيير و«الإصلاح» إن أردت طبعا، فالكلام موجه إلى ممارسات الإدارات الأميركية تجاهنا، والمطلوب إصلاحها وليس معاندة من يذكرك بما فعلته تلك الإدارات تجاهنا وكل أعمالها القبيحة.* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني