الجدل السياسي المثير بشأن إنشاء المصفاة الرابعة أمر منطقي، بل ومحتوم من جهات عدة؛ أولها أن أجواء الفساد المنتشرة في الدولة على مدى واسع جداً، وتكاد تشمل كل صغيرة وكبيرة، تجعل الاتهام والريبة سيدي الموقف في أي مشروع حكومي حتى يثبت العكس، والمؤشرات السلبية في قياس الشفافية الكويتية تثير الحفيظة في معرفة تفاصيل الصفقات والعقود كلها، فما بالك بمشروع استراتيجي عملاق قيمة إنشائه فقط وصلت الى ما يقارب ثمانية مليارات دينار، أي في حدود 30 مليار دولار.
من جهة أخرى مهمة أيضا، مازالت هناك فجوة كبيرة بين مفاهيم ومتطلبات العمل المؤسسي بموجب القانون، في ضوء منظومة المجتمع المدني من جانب، والطريقة الكويتية في التعاطي مع المشاريع الكبيرة بين بعض الشركات المتنفذة والشخصيات المثيرة للجدل والحكومة من جانب آخر، الأمر الذي يتسبب في الكثير من الأحيان في جر البلد سياسياً نحو مأزق حقيقي تحت عنوان مبهر ظاهره «تعطيل التنمية»، وكأن التنمية لا يمكن لها أن تتحقق إلا في الخفاء وخلف أبواب مغلقة وبصفقات خيالية محصنة من الرقابة والمحاسبة.وهذا المأزق يعانيه الجميع تقريباً، وأكاد أجزم بأن المدافعين عن سلامة الإجراءات الخاصة بمصفاة الزور اليوم والمبررين للاستثناءات التي لفّت المشروع كانوا سينضمون إلى الجبهة التي تنادي اليوم بالشفافية ودور ديوان المحاسبة ولجنة المناقصات المركزية لو أنهم استُبعدوا من المشروع بالآلية نفسها التي فازوا بها، ولا نحتاج إلى كثير من الجهد لنثبت لعبة الكراسي هذه في العديد من المشاريع الكبرى المشابهة لمشروع المصفاة في السابق.أما في ما يخص المصفاة الرابعة والملاحظات التي تشوبها، فقد كان من الأجدر بوزير النفط، وهو برلماني سابق يؤمن بالرقابة والمحاسبة، ناهيك عن شخصيته كرجل عرف بالتدين ويمثل تياراً دينياً عريضاً في الساحة الكويتية، أن يحرص ابتداءً على موافقات الجهات الرقابية والمحايدة، وهي مؤسسات حكومية مهمة لإضفاء مزيد من الطمأنينة والمصداقية على مشروع حيوي قد يكون الأضخم في تاريخ الكويت، فقوانين الدولة تفرض أن أي مشروع تتجاوز قيمته 100 ألف دينار يجب أن يخضع لرقابة ديوان المحاسبة وموافقة لجنة المناقصات المركزية، وحتى في حالة موافقة جهات عليا كالمجلس الأعلى للبترول، فإن الحس السياسي والورع الذاتي كانا يتطلبان الإصرار على الفحص والتدقيق من قبل الوزير المعني حتى لا يكون مصداقاً للقناعة المتجذرة عند الكويتيين بأن الوزراء مجرد موظفين تنفيذيين بين كبار.ولعل من أهم الملاحظات التي تشكل حجر الزاوية في الجدل الكبير بشأن مصفاة الزور، هو أن المشروع الذي قفز سعره وبشكل خيالي من أقل من ملياري دينار إلى قرابة ثمانية مليارات دينار خلال 3 سنوات فقط قد تقاسمه مزيج من التيارات السياسية والرموز الاجتماعية تمثل أعضاء في مجلس الأمة ووزراء وبعض العوائل في إطار محاصصة مهما كانت ترتيباتها الإجرائية أو تبريراتها القانونية والسياسية تظل تقرع أصداء شعبية واسعة وينظر لها ككعكة مقسمة على الطريقة الكويتية!وقد كان حري بأن يتم تحويل هذا المشروع إلى شركة قابضة يشارك فيها الجميع وتنتفع من عوائدها وأرباحها القطاعات كلها لتكون نموذجا للعمل الشفاف والمشترك، وبعيداً عن كل هذا الضرب تحت الحزام، وهذا ليس بالشيء الصعب والمستحيل، بل بحاجة إلى قرار وإرادة، فالصين التي أبهرت العالم كله بمنشآتها العملاقة والخارقة للتكنولوجيا الحديثة في الأولمبياد الحالية، حققت هذا النجاح بواسطة شركات حكومية استفاد من ريعها أكثر من مليار صيني، ونحن في الكويت لسنا فقط عاجزين عن إرضاء شعب لا يصل إلى مليون نسمة بقطاعاته وطبقاته كلها، بل عاجزون عن إرضاء عشر عوائل من منفعة مشروع واحد مثل مصفاة الزور!
مقالات
مصفاة الزور وتوزيع الثروة!
22-08-2008