غيبت واشنطن الجانب الخليجي عن مفاوضاتها مع إيران، ولم تطلعه على تفاصيلها، ولم تنسق معه في ما طرح على مائدتها من أفكار، رغم أنها تمس أمن الخليج ومصالح دوله في الأساس، ورغم أن مجلس التعاون طلب بوضوح إشراكه في مراحل التسوية المختلفة واطلاعه على تفاصيلها واستحقاقاتها، وهو الأمر الذي لم يتحقق.

Ad

لم يعد السؤال الأكثر إلحاحاً اليوم عن إمكانية تسوية أزمة الملف النووي الإيراني عبر إبرام صفقة بين واشنطن وطهران تستبعد خيار الحرب والصدام، ولكن السؤال بات: «متى تتم هذه الصفقة؟».

حاولت دول الخليج ومعها بعض الدول العربية الرئيسة طويلاً العمل من أجل الدفع إلى تسوية الأزمة النووية الإيرانية من دون أن تتفاقم لتتحول حرباً؛ إذ بدت تكاليف حرب من هذا النوع فادحة، وظهر أن تداعياتها أكبر من أن يتم احتواؤها فضلاً عن إدراكها.

وكانت التقديرات تفيد بأن بقاء الوضع على ما هو عليه يجسد أفضل الأحوال وأقلها ضرراً بالنسبة إلى الجانب الخليجي ومصر وعدد من الدول العربية الأخرى؛ فإيران محدودة الحركة وغير مطلقة الأيدي، وعلاقاتها بالولايات المتحدة ومعظم الدول الغربية الرئيسة يشوبها التوتر وعدم الثقة، لن تكون قادرة على ممارسة أدوار هيمنة أو إثارة القلاقل بطلاقة في الإقليم.

ورغم ما كانت تعانيه إيران من حصار، في ظل إصرارها على تحدي الولايات المتحدة والدول الغربية بالمضي قدماً في مشروعها النووي المثير للجدل من دون إخضاعه لضمانات كافية من جانب تلك الدول، فإنها كانت تشكل مصدر قلق وتوتر دائمين لمحيطها الإقليمي، خصوصاً في ما يتعلق بدعمها لتيار «المقاومة» ومناهضتها لعملية التسوية السلمية من جهة، أو بما قيل عن أنشطة تمارسها وتخترق بها حدود الأمن الوطني لعدد من الدول العربية من جهة أخرى.

لكن الأحوال تغيرت تماماً منذ وصل أوباما إلى السلطة في البيت الأبيض، ليحاول تسريع الاستراتيجية التي اعتمدتها إدارة بوش، في نهاية ولايته، تجاه إيران، والتي يمكن تلخيصها في أنها: «محاولة مد اليد لطهران، وإبقائها مبسوطة فترة، والتقاط الفرصة المناسبة، لحل الإشكال النووي دبلوماسياً، مع الاستعداد لتقديم تنازلات، حتى لو كانت مؤلمة».

ويتصور البعض أن الاستراتيجية الأميركية دخلت حيز التنفيذ مع خطاب عيد النيروز المهم الذي دعا أوباما فيه إيران شعباً وقيادة إلى الحوار والتعاون، وهو تصور غير دقيق، رغم أهمية هذا الخطاب ومفصليته في سياق العلاقات بين البلدين.

والواقع أن تلك الاستراتيجية بدأت منذ نهاية العام الماضي، حيث سعت واشنطن إلى تفعيلها من خلال المفاوضات التي كانت تجري بين طهران ودول الغرب الرئيسة، في إطار ما عرف بمجموعة 5+1 (الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن وألمانيا المعنية بالتفاوض مع إيران لحل مشكلة مشروعها النووي).

وقد خاضت تلك المجموعة مفاوضات مهمة مع الجانب الإيراني في جولة عقدت في شهر ديسمبر المنصرم، حيث ناقش الجانبان بوضوح إمكانية تقديم حزمة من المزايا والمصالح الاقتصادية والإقليمية لإيران في مقابل إعادة النظر في سير برنامجها النووي على إيقاعه الراهن.

دول الخليج من جانبها علمت بما تم خلال هذه المفاوضات، وهو الأمر الذي دفعها إلى استخدام لغة خشنة حيال السلوك السياسي للولايات المتحدة والمجموعة الغربية الضالعة في محاولات التسوية، خصوصا أن الطرف الغربي كان حريصاً على إبقاء تطورات النقاشات والمفاوضات في طي الكتمان، ومن دون أدنى تنسيق مع الجانب الخليجي.

عبر الأمين العام لدول مجلس التعاون عبد الرحمن العطية، في تصريحات له على هامش تلك المفاوضات، عن ضيق دول المجلس من «سياسة الإملاءات التي تنتهجها واشنطن والانفراد بسياسات لا تخدم مصالح دولنا، بل تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة».

غيبت واشنطن الجانب الخليجي عن المفاوضات، ولم تطلعه على تفاصيلها، ولم تنسق معه في ما طرح على مائدتها من أفكار، رغم أنها تمس أمن الخليج ومصالح دوله في الأساس، ورغم أن مجلس التعاون طلب بوضوح إشراكه في مراحل التسوية المختلفة واطلاعه على تفاصيلها واستحقاقاتها، وهو الأمر الذي لم يتحقق. ففي منتصف شهر ديسمبر الماضي، عقد ممثلون لدول «5+1» ودول «التعاون» ومصر والعراق والأردن اجتماعاً مهماً في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، صرح بعده وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد الخليفة بأن دول المجلس «ستكون مشاركة من الآن فصاعداً في كل الاجتماعات التي تخص موضوع الملف النووي الإيراني، وأن هذا بمنزلة نواة ميكانيزم للمستقبل».

لكن الميكانيزم الذي أرادته دول الخليج لم يُفعل.

قبل أيام التقى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد زعيمي حركتي «حماس» و«الجهاد» خالد مشعل ورمضان شلّح في دمشق، فدعاهما إلى التمسك بالمقاومة والوحدة، اقتداء بتمسك بلاده ببرنامجها النووي، فيما نقلت مصادر فلسطينية أنه أبلغ مشعل وشلّح نصاً: «لو لم تتمسك إيران بالمشروع النووي وتراجعت عنه، لفقدنا عنصر القوة عندنا وانهرنا أمامهم... الأميركيون يركضون الآن وراءنا من جراء صمودنا أمام كل الضغوط».

يبدو أن هذا ما يشعر به نجاد فعلاً، وهو الأمر الذي تعززه إشارات استعلاء وانتشاء عدة صدرت عن طهران على مدى الشهور الأربعة الأخيرة؛ بدءاً من استهداف البحرين بما يمس سيادتها، والتشدد في رفض المطالبات الإماراتية والعربية بحل مشكلة جزر الإمارات المحتلة، وأخيراً الحديث الخشن عن «الخليج الفارسي»، وعدم التراجع عن «فارسية الخليج»، ونصح الدول العربية بالبعد عن «طرح مثل تلك الأمور»، كما ورد على لسان ولايتي ولاريجاني وعلي أكبر ناطق نوري وغيرهم من المسؤولين الإيرانيين.

بزيارة وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس إلى القاهرة والرياض الأسبوع الماضي، ومحاولته طمأنة العاصمتين، اللتين قطعتا شوطاً هو الأكبر في مناهضة الضغوط والأنشطة الإيرانية في المنطقة، وإعلانه عدم ربط بلاده مساعداتها العسكرية لمصر بحقوق الإنسان والديمقراطية، يمكن تصور أن الصفقة الأميركية-الإيرانية قطعت شوطاً لا بأس به بعيداً عن أعين دول الخليج والقاهرة، وعلى حساب مصالحها.

* كاتب مصري

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء