البورصة تنهار والشمالي يعيش في المريخ!
كنت أنوي الكتابة اليوم عن تزوير انتخابات 2008 لكني أجلت المقال للأسبوع القادم بعد أن قرأت تصريحات الوزراء «المبجلين جدا» بعد بحثهم أوضاع البورصة، خصوصا التصريح المضحك المبكي لوزير المالية مصطفى الشمالي، الذي يكشف مدى ضآلة فهمم للأوضاع العامة للشعب ولأهمية وخطورة تصريحاتهم وتأثيرها سواء بالسلب أو بالإيجاب على الوضع الاقتصادي. وهذا ليس بغريب في ظل الطريقة «القرقيعانية» التي يتم من خلالها اختيار الوزراء.يقول الوزير الشمالي، «لا فض فوه»، إنه ينصح المتداولين بالشراء بدلا من البيع لأن الوقت هو وقت الشراء! تُرى في أي كوكب يعيش الوزير بل الحكومة بأكملها؟ هل يعيشون في كوكب الأرض أم في المريخ، أم أين بالتحديد؟! فمعظم الشعب الكويتي لايكاد يجد لديه ما يكفيه لآخر الشهر بسبب التضخم المستمر تحت نظر الحكومة وسياساتها الفاشلة، وفي ظل جشع البنوك التي مصت دماء الناس عبر رفعهم للفوائد بشكل جماعي متفق عليه، وعبر القروض «بوقسمين» التي زادت من مدة وقيمة الأقساط. أما القسم المتبقي من الشعب ممن لديه بعض المدخرات، فأغلبه استثمرها في البورصة ليرى كل ما جمعه يتبخر أمام عينيه، وكثير من هؤلاء مضطر للبيع لسداد التزاماته.
فعامة الشعب يا وزير المالية لا يحصلون على «بونص» سنوي بمئة ألف دينار مثلك حتى يتمكنوا من اقتناص الفرص كما تقول! ولعلي أستشف من هذا التصريح أن الحكومة كانت تتمنى أن ينزل السوق إلى هذا المستوى حتى يستطيع الكبار اقتناص الفرص على حساب الصغار! ثم يكمل الشمالي بأنه: «لا يوجد ذلك الشيء الذي يخوّف كون الأمر يتطلب بناء الثقة، وعلى المتعاملين أن يثقوا باقتصاد بلدهم»... ثم يؤكد أن: «الاقتصاد الكويتي قوي ولابد من أن يثق الجميع به وبقوته». ترى كيف يثق المتداولون في متانة اقتصادهم ويقومون بالشراء بدلا من البيع وهم يرون عدم تدخل هيئة الاستثمار بقوة في السوق؟! فإذا كانت هناك فرص للشراء والاقتصاد متين «متين طل»، أليست هيئة الاستثمار أولى باقتناص هذه الفرص؟ وألا يجب عليها التدخل بقوة حتى تعطي إشارة ثقة للمتداولين؟! فالثقة لا تُخلق من عدم يا وزير المالية! ثم ألم يفكر الوزير في أن تصريحه هذا سيسبب المزيد من الهلع وعدم الثقة لدى الناس؟ لأنه ببساطة لم يرَّ شيئا مخيفا فيما يعيش الناس حالة قلق كبير بسبب ما يحدث! ثم لا أدري كيف يكون هناك اقتصاد قوي ومتين في ظل اعتماد الدولة على سلعة واحدة تقريبا وهي النفط من دون وجود أي بدائل استراتيجية على المدى الطويل لتعويض هذا المصدر؟! ثم كيف يكون هناك اقتصاد متين والطبقة الوسطى تُسحق يوما بعد يوم حتى وصلنا إلى وضع قُسِّم فيه الشعب إلى قسمين- كما يقول النائب عبدالصمد- بين «مليارديريه» و«مديونيريه»؟! من ناحية أخرى قال وزير التجارة، «لا فض فوه أيضا»، إن أسباب تراجع البورصة فنية بحتة، وإن سوق الكويت كان أقل تضررا من الأسواق الخليجية. طبعا لا ننكر احتمالية تأثر أي سوق بالأوضاع العالمية حتى إن كانت لا تعنيه، رغم أن هذا الكلام مردود عليه بدليل أن البورصة كانت تحطم الأرقام القياسية في العام الماضي بينما كانت الأسواق العالمية تعاني تراجعا بسبب بداية أزمة الرهن العقاري. لكن عندما تكون هناك ثغرات وعيوب خطيرة في البورصه أهمها إمكان وضع أوامر البيع من دون وجود أسهم، أي البيع على المكشوف، الذي أسهب النائب ناصر الدويلة في شرحه، إضافة إلى العيوب الأخرى التي شرحتها في هذه الزاوية قبل ثلاثة أسابيع وأهمها المؤشر السعري الخادع، فلنا أن نتساءل... مَن المسؤول عن هذه الثغرات التي كانت أحد أهم أسباب هذا الانهيار: هل الحكومة مسؤولة أم من ياترى؟!ومادامت الحكومة مسؤولة عن هذه العيوب التي سمحت بالتلاعب وإثارة الهلع بين الناس، ألا يجب على الحكومة أن تدفع الثمن وتتدخل لحماية واجهة الاقتصاد الكويتي وتعوِّض السوق ما فقده بسبب عجزها وعجز مدير السوق «غير الفالح» عن تصحيح هذه العيوب بالرغم من وضوحها منذ سنوات؟! هذا مع العلم بأن خسائر السوق الحقيقة تفوق الـ20% بكثير لأن ارتفاع السوق كان أغلبه وهميا منذ بداية العام كما شرحنا من قبل. لكن نسيت، فالحكومات المتعاقبة متخصصة فقط في إنقاذ عِلية القوم عبر شراء مديونياتهم التي تقدر بالمليارات!أما رئيس الوزراء فهو مسافر كالعادة أثناء الأزمات، ويقول إن الهيئة ستتدخل إذا لزم الأمر، ولا أدري متى يلزم الأمر؟! ومجلس الأمة كالعادة أيضا ليس لديه شيء سوى التصريحات العقيمة، وأتمنى ولو لمرة واحدة أن يشعلوا شمعة بدلا من لعن الظلام كأن يصدروا تشريعا يلزم هيئة الاستثمار باستثمار نسبة معينة كافية من استثماراتها في السوق لتعزيز الثقة بدلا من استثمار كل شيء تقريبا في الخارج، لأن الوضع خطير وإذا استمر سحق الطبقة الوسطى بهذا الشكل، فإنه سيأتي يوم الانفجار، ولا أريد أن أتخيل ماذا ستكون عليه أشكال هذا الانفجار!