حادثة استعانة الإدارة الجامعية بقوات الأمن لمنع الاعتصام السلمي الذي دعت إليه جمعية أعضاء هيئة التدريس بالجامعة مرت مع الأسف الشديد مرور الكرام، من شوارب الكثيرين ممن طالما طبلوا وتشدقوا بالدفاع عن الدستور ورفعوا شعارات المحافظة على المكتسبات الديمقراطية وكانت ترتعد فرائص الحكومة من «أرجوزاتهم» الرنانة حول الحريات العامة وصور التعبير عن الرأي.

Ad

ولو وقعت هذه الحادثة ليس في الديمقراطيات العريقة وإنما في أكثر دول العالم الثالث تخلفاً لأحدث ذلك زلزالاً سياسياً وتحولت إلى كرة ثلج تتدحرج لتكبر وتكبر معها المشاكل والتبعات الخطيرة وبشكل عشوائي قد لا يمكن السيطرة عليها!

ولكن في الكويت، حيث أصبحت المفارقات السياسية موضة، والاصطفاف بكل أنواعه القبلي والطبقي والطائفي هو قبلة الكثير من السياسيين، والدستور مجرد ورقة إعلامية لخدمة المواقف والمصالح الآنية، مرت واقعة انتهاك الحرم الجامعي كخبر عابر لم ينتصر له سوى القلة القليلة من مكونات المجتمع المدني والساسة والإعلاميين.

وانكشف العديد أمام المثل الكويتي المشهور «فوق شينها قواة عينها»، فالإدارة الجامعية نفت وبشدة استقدام قوات الأمن في تصريح كاذب أمام ما نشرته الصحف المحلية والقنوات الكويتية قاطبة من صور لرجال الأمن في مواجهة الأساتذة المعتصمين وانتشارهم في أروقة وطرقات الحرم الجامعي، ولعل الإدارة تفسر هذه الفضيحة بالقول إن العسكر دخلوا الجامعة بالخطأ، وهم في طريقهم إلى الاستعراض العسكري الجوي في المطار أو أنهم استرجعوا ذكريات مباريات نهائي كأس الأمير على ملعب ثانوية الشويخ سابقاً!

ووزيرة التربية كعادتها تنصلت من مسؤوليتها المباشرة وغير المباشرة كرئيس أعلى للجامعة وأنكرت حتى معرفتها بالحادث! وبرأت بسرعة البرق إدارتها من ارتكاب هذه الخطيئة، مثلما أنكرت حالات كثيرة متعلقة بتجاوزات الجامعة القانونية والإدارية من قبل، وكان آخرها نفيها أمام سمو رئيس الحكومة انتهاء عمل لجنتي التحقيق بتجاوزات الجامعة المشكلتين من قبل مجلس الجامعة ومن قبل الفتوى والتشريع وبأوامر من سموه، رغم أن التقريرين كانا بحوزتها منذ أكثر من شهر!

ولكن العتب هنا ليس على الوزيرة وإدارتها الجامعية التي تعاني سكرات الرحيل، ولكن على من التزم الصمت المريب من النواب والقوى السياسية وجمعيات النفع العام ومن طبق المثل «فوق شينها قواة عينها»، فصح النوم يا شباب المجلس والقوى «الوطنية» وجمعيات النفع العام ويا وزراء القوى السياسية في الحكومة، فلا تصريح ولا بيان لتوضيح الموقف ولا تعبير عن الشعور السياسي لانتهاك صارخ وصريح في وضح النهار للدستور ومبادئ الحرية؟ وعاشت شعارات «دستورنا سورنا»!

قد يبرر البعض هذا السكوت لانشغال الجميع بأجواء التلبد السياسي بسبب الاستجوابات الموجهة إلى رئيس الوزراء، ولكن هذا التبرير لا يستر العورة السياسية، بل لا يخرج عن نطاق «فوق شينها» أيضاً فقد شهدت أروقة الجامعة انتفاضة سياسية وإعلامية مستحقة من نفس النواب الساكتين اليوم عندما تعرضت بعض القوائم الطلابية لتعسف إدارة الجامعة وفي قضايا أصغر بكثير من انتهاك الحرم الجامعي بقوات الأمن.

ولهذا يبقى التفسير الأقرب للواقع لهذا التنصل أن جمعية أعضاء هيئة التدريس في جامعة الكويت اليوم قد كسرت احتكار الأحزاب السياسية والتيارات الإيديولوجية وحتى السيطرة النيابية عليها، ونجحت في تأسيس جبهة أكاديمية تجسد المهنية العلمية من جهة واللحمة الوطنية من جهة أخرى باحتضانها القبلي والحضري والشيعي والسني معاً، وهذه التوليفة تشكل خسارة للكثير من القوى السياسية ليبرالية كانت أم دينية، فلا يمكن لأي منها العزف على ألحانها لتحقيق مكاسب أو بطولات منفردة.