حتى الآن، يبدو أن الشغل الشاغل لزعماء أوروبا منصب في الأغلب على إيجاد الحلول الوطنية للأزمة الاقتصادية العالمية. وبوجه خاص، كان زعماء «أوروبا القديمة» عازفين عن فتح خزائنهم لبلدان «أوروبا الجديدة». وإذا ما ساد هذا الموقف وكانت له الغلبة فهذا يعني أن المشروع الأوروبي أصبح مهدداً بالشلل. ولن يؤدي هذا إلى تأخير استعادة النمو الاقتصادي فحسب، بل ومن شأنه أيضاً أن يؤدي إلى عواقب سياسية مروعة.

Ad

كانت الضربة التي تلقتها البلدان الأعضاء الجديدة في الاتحاد الأوروبي من شرق ووسط أوروبا من جراء الأزمة الحالية أشد كثيراً من الضربة التي تلقتها البلدان الأعضاء القديمة؛ وهي أيضاً أقل استعداداً لمواجهة الموقف على الصعيدين النفسي والاجتماعي. ولقد أصيب كثيرون بخيبة أمل شديدة حين رفض زعماء أوروبا في وقت سابق من هذا الشهر النداءات المطالبة بإنشاء برنامج دعم خاص لهذه البلدان. لا شك أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كانت على حق حين أشارت إلى أن التعامل مع كل دولة لابد أن يكون متفقاً مع وضعها. ولكن كان من الواجب عليها، هي وزملائها، التحلي بقدر أعظم من الوضوح والحسم في الإعراب عن الاستعداد لدعم البلدان الأعضاء الجديدة.

منذ خمسة أعوام فقط ارتفعت المشاعر والتوقعات إلى عنان السماء حين انضمت بلدان الكتلة الشرقية السابقة التي تبنت الديمقراطية حديثاً إلى الاتحاد الأوروبي. وإلى أن ضربت الأزمة ضربتها في العام الماضي كانت التوسعة قد أثبتت كونها عملاً مربحاً بالنسبة لأوروبا القديمة: حيث عملت معدلات النمو المرتفعة في أغلب بلدان أوروبا الجديدة على ضخ الطاقة إلى شرايين الاقتصاد الراكد في أوروبا القديمة، وكان لهذا وقع المفاجأة على هؤلاء الذين تكهنوا بأن التوسعة ستشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل البلدان الأعضاء القديمة الراسخة.

ثم انهار النظام المالي فهبطت معدلات النمو إلى أدنى مستوياتها، وتزعزعت أركان النظام في الديمقراطيات الجديدة مع اندلاع الاحتجاجات العامة في بعض عواصمها، وسقطت بعض الحكومات. وتلقت الآمال والثقة في الديمقراطية واقتصاد السوق والمشروع الأوروبي الأكبر ضربة موجعة.

إذا سُـمِح لهذا بالاستمرار فقد تنفتح علينا أبواب الجحيم، فتتحرر أشباح النعرات القومية وكراهية الأجانب التي كانت جاثمة على صدر أوروبا في الماضي. إن بعض هذه الديمقراطيات حديثة السن وهشة للغاية. ولقد تحطم التفاؤل الذي تولد عن العودة السلمية لهذه البلدان إلى أوروبا الحرة الديمقراطية إلى حد لم يكن لأي منا أن يتوقعه.

هنا تتجلى الحاجة إلى الزعامة السياسية. إذ يتعين على قادة الديمقراطيات الأوروبية الراسخة أن يشرحوا لشعوبهم وناخبيهم أن التوسعة قد أفادتهم إلى حد كبير، وأن من مصلحتهم أيضاً أن يشاركوا في تحمل المسؤوليات والتكاليف المترتبة على توجيه وإرشاد البلدان الأشد تضرراً إلى أن تخرج من الأزمة سالمة.

كانت هناك دوماً مزاعم مبالغ فيها مفادها أن ضم الأعضاء الجدد سيكون مكلفاً للغاية، تماماً كما شابت الأهواء التافهة الضيقة الاستعداد لفتح حدود أوروبا أمام «السباكين البولنديين».

إن أي تقييم واقعي لما حدث بالفعل منذ التوسعة من شأنه أن يضع المشاكل في منظورها السليم: حين تم الاتفاق على التوسعة كان حجم الاقتصاد في البلدان العشرة جديدة العضوية مجتمعة يعادل اقتصاد هولندا تقريباً. واليوم، بعد خمسة أعوام من النمو الأقوى بين البلدان الأعضاء الجديدة، أصبح مجموع نواتجها المحلية الإجمالية أقل قليلاً من الناتج المحلي الإجمالي لبلدان البنيلوكس (بلجيكا، ولوكسمبورغ، وهولندا).

وعلى هذا فإن مهمة إحياء الاقتصاد في هذه البلدان ليست بالمهمة المستحيلة في حد ذاتها، ولكن العواقب السياسية المترتبة على الفشل في بث رسالة التضامن الأوروبي الحقيقي ستكون مدمرة. وهذه هي حقاً «ساعة أوروبا».

مازلت أتذكر حتى الآن حين استُخدِمَت هذه العبارة لآخر مرة: كان ذلك في عام 1991 حين زار رئيس مجلس الوزراء الأوروبي يوغوسلافيا آنذاك، فاستقبل بلهفة الوعود الفارغة التي بذلها سلوبودان ميلوسيفيتش وزمرته بأنهم على استعداد للإنصات إلى الأصوات التي كانت تنادي بحل سلمي للصراعات التي كانت دائرة هناك. وأذكر أن رئيس مجلس الوزراء قال: «هذه ساعة أوروبا، وليست ساعة الأميركيين». ولكن كما ندرك جميعاً، ويا له من أمر محرج، فإن الأميركيين هم الذين كان عليهم أن يقودوا عملية التدخل التي أدت في النهاية إلى وقف سفك الدماء في البلقان.

ولكن هذه المرة لا نستطيع أن نتوقع نحن الأوروبيين أن يتدخل أحد لإنقاذنا. إن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي أو غيره من المؤسسات المالية الدولية لانتشالنا من ورطتنا لن يعيد إلينا الثقة اللازمة في المشروع الأوروبي. لذا، فلابد أن تكون هذه هي ساعة أوروبا.

وهذا يعني بالضرورة بث رسالة واضحة إلى هؤلاء الذين أصبحوا في شك عظيم بشأن قيمة الاتحاد الأوروبي. إننا جميعاً على متن نفس القارب، ويتعين علينا أن نجد حلولاً أوروبية مشتركة. ولا ينبغي للتضامن بين الأعضاء أن يكون مجرد أحاديث نتسلى بها حين يبدو المستقبل مشرقاً وردياً.

* أوفي إليمان جنسن | Uffe Ellemann-Jensen ، وزير الخارجية الدنماركي السابق.

«بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»