من تسبب في خسارتنا لتركيا؟

نشر في 13-04-2009
آخر تحديث 13-04-2009 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت «من تسبب في خسارتنا لتركيا؟». إن ذلك السؤال الذي كثيراً ما طُـرِح في الماضي، برز أخيراً وعلى نحو أشد حرارة في أعقاب النوبة العاطفية التي أصابت رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أثناء المنتدى الاقتصادي العالمي الأخير في دافوس، حين غادر على نحو مفاجئ مجموعة المناقشة التي كان يشارك فيها الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز. إن المسألة التركية تشكل أهمية عظمى، وذلك لأنها تمس بعضاً من أشد نزاعات العالم الدبلوماسية زعزعة للاستقرار.

وإن كنا قد خسرنا تركيا بالفعل، فإن المسؤولية عن ذلك تقع على عاتق الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، وإسرائيل، وتركيا ذاتها. كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد أعرب على نحو لا لبس فيه عن تحفظات الاتحاد الأوروبي المتنامية إزاء التحاق تركيا بعضويته. وفي الولايات المتحدة يتحمل الرئيس السابق جورج دبليو بوش بعض المسؤولية عن ذلك بسبب الحرب التي شنها في العراق. كما لعبت إسرائيل دوراً واضحاً في تنفير تركيا وانسلاخها عن الغرب، بسبب حرب لبنان في عام 2006، وعملياتها العسكرية الأخيرة التي قامت بها في غزة.

كانت كل هذه الأحداث مجتمعة، والتي تفاقمت بفعل التأثيرات الداخلية الناجمة عن أسوأ أزمة اقتصادية يشهدها العالم منذ ثلاثينيات القرن العشرين، سبباً في زعزعة وتشويش تركيا عل نحو خطير.

لا شك أن أهل النخبة العلمانية المؤيدين للغرب في تركيا يعتبرون الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من الحلفاء والشركاء المهمين، إن لم يكن لا غنى لتركيا عنهما، وربما يرون أن الأصولية الإسلامية، و «حماس»، و «حزب الله»، وإيران تشكل تهديداً محتملاً. إلا أنهم رغم ذلك على اقتناع بأن سلوك أوروبا في التعامل مع تركيا لم يكن لائقاً، وهو ما تجلي في الجمع بين ردود فعل شعوبية قصيرة النظر وغياب الرؤية الاستراتيجية بعيدة الأمد.

لا شك أن المسألة التركية معقدة، إذ إن تركيبة تركيا الجغرافية آسيوية في عمومها، والعواطف التركية تميل نحو الشرق الأوسط على نحو متزايد، وأقصد هنا المسلمين في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ورغم ذلك فمازال أهل النخبة في تركيا يناصرون الغرب وأوروبا بإصرار. ولكن إلى متى؟

في مطلع القرن الحادي والعشرين، وبعد أن أصبح الحوار مع العالم الإسلامي يشكل أحد التحديات الرئيسية التي تواجه العالم الغربي، فإن أوروبا ترتكب خطأً استراتيجياً فادحاً إذا أغلقت أبوابها في وجه تركيا. إذ إن ذلك من شأنه أن يدفع ورثة الإمبراطورية العثمانية إلى العودة إلى مسار تاريخي آسيوي إسلامي شرق أوسطي.

إن الوسيلة تشكل أهمية أعظم كثيراً من الغاية فيما يتصل بمسألة التحاق تركيا بعضوية الاتحاد الأوروبي. إذ إن الإصلاحات التي طبقتها تركيا بالفعل وفي وقت قصير للغاية، بفضل وضعها كدولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، كانت مبهرة حقاً. هل يجوز لنا في أوروبا حقاً أن نعرض كل ذلك التقدم الذي أحرزته تركيا للخطر بإعلان رفضنا لعضويتها على نحو قاطع؟

إن الاتحاد الأوروبي في حاجة ماسة إلى شريك استراتيجي ودبلوماسي قادر بصورة ملموسة على تعزيز نفوذه في الشرق الأوسط. كما تحتاج أوروبا إلى الديناميكية النشطة التي تتمتع بها تركيا الشابة. وفي المقام الأول من الأهمية، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى بث رسالة مصالحة إلى الإسلام متمثلة في إلحاق تركيا بعضوية الاتحاد الأوروبي.

لا شك أن الرغبة في ضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي هي فعل من أفعال الإرادة، إن لم تكن تعبيراً عن إيمان منافٍ للحدس والمنطق المعتادين. إن أغلب الأوروبيين لا ينظر إلى تركيا باعتبارها «آخر أوروبياً»، ولكن باعتبارها «آخر غير أوروبي». فحتى في اسطنبول، وهي المدينة الأكثر قرباً إلى الغرب في تركيا، سيجد المرء نفسه وكأنه يغوص في ثقافة شرق أوسطية أو آسيوية بمجرد خروجه من الشرايين الرئيسية للمدينة.

وإسرائيل ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، ولكنها أيضاً معرضة بشدة لخطر خسارة تركيا. إذ كانت مغامراتها العسكرية في لبنان، ثم الآن في غزة، بعيدة كل البعد عن تعزيز أمن إسرائيل، بل إن هذه المغامرات تصب في خانة العزلة الذاتية وخسارة تعاطف العالم. وفي تركيا كانت هذه الظاهرة واضحة على نحو لا مثيل له في القوة، حيث أدت مغامرات إسرائيل العسكرية الطائشة إلى توتر التحالف الاستراتيجي بين تركيا وإسرائيل إلى درجة بلغت نقطة الانهيار.

من السابق لأوانه أن نتحدث الآن عن السياسة التي سيتبناها أوباما في التعامل مع تركيا؛ ولكن يكفي أن نقول إنه في استعداده لفتح حوار محترم مع الإسلام يُـعَد الزعيم الغربي الوحيد الذي يتحرك في الاتجاه الصحيح. ولكن هل تكون البوادر الإيجابية من جانب أميركا في التعامل مع تركيا، وهي من الأعضاء الرئيسيين في حلف شمال الأطلنطي (الناتو)، كافية لمعادلة السياسات الإسرائيلية المتبلدة الطائشة؟ الحقيقة أن الإجابة على هذا التساؤل غير واضحة.

تتحمل تركيا أيضاً قدراً من المسؤولية عن هذه القطيعة المتزايدة. فقد كان سلوك أردوغان في «دافوس» غير مسؤول على أقل تقدير. وربما كسب بسلوكه ذلك بعض الشعبية في الديار، ولكن إغراءات الشعوبية الرخيصة، في هذا الوقت العصيب الذي يعيشه اقتصاد العالم اليوم، أصبحت أخطر من أي وقت مضى. ولا يجوز لأحد أن يلعب بأعواد الثقاب باستخفاف وإلى جانبه كومة من الحطب الجاف.

* دومينيك مويزي | Dominique Moisi ، أستاذ زائر بجامعة هارفارد، ومؤلف كتاب «العواطف وجغرافيتها السياسية».

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top