لن أحاول القول بأنني كنت ممن تنبؤوا بوصول المرأة إلى البرلمان بهذا العدد، بل سأعترف مباشرة بأن أقصى تصوراتي تمثلت في احتمال فوز د. أسيل العوضي بمركز متأخر في الدائرة الثالثة، وربما مشاغبة د. معصومة المبارك على المقعد الأخير في الدائرة الأولى، لذلك فأنا من المفاجَئين جداً بوصول أربع نساء دفعة واحدة إلى المجلس، وليس وصولاً عادياً فحسب، بل بمراكز متقدمة وباقتدار.

Ad

لكنني أعتقد أن مفاجأة نجاح أربع نساء لاتزال في الطور الملتهب، لذلك فمن الواجب أن ننتظر قليلاً قبل الشروع في التحليل لنتمكن من سحب استنتاجات موضوعية ذات قيمة عن سبب حصول هذه المفاجأة. القفز إلى استنتاجات سريعة مثل أن الشعب الكويتي قرر التغيير ليأسه من الرجال، أو أن المرأة قالت كلمتها، وغير ذلك من العبارات الإنشائية، قد يقودنا في ظني إلى الخطأ، وإلى افتراضات غير صحيحة لنظرة المجتمع تجاه فكرة التصويت للمرأة وطريقة تعامله مع المرشحات في المرات القادمة.

أنا متفائل جداً بوصول النساء الأربع، وأتصور أنهن سيشكلن كتلة قوية متميزة نوعياً، وأنهن إن سلمن من الاختطاف، الحكومي، والحزبي، والرجالي بشكل عام، ووصلن إلى نفس الإيمان الذي أحمله بأن المرحلة السياسية الراهنة تتطلبهن ككتلة سياسية واحدة، وليس كممثلات لفئات أو تيارات مختلفة، أقول إنهن إن وصلن إلى نفس هذا الإيمان، فسيكن قادرات على عمل الكثير، وربما صنعن تغييراً حقيقياً في واقعنا السياسي المتعثر.

* * * د. معصومة المبارك: المركز الأول وبفارق ألف صوت تقريباً. إنجاز باهر يخالف كل التوقعات. هذه الشعبية الجارفة يمكن للدكتورة أن تستثمرها من خلال تقديم أداء مميز وثقيل في البرلمان، وحينها ستتمكن، وأنا واثق من ذلك، من حفر اسمها على الخريطة البرلمانية لدورات عديدة قادمة. وأنا أتكلم هنا عن صناعة رمز سياسي جديد، والدكتورة في قناعتي تستحق منصب نائب الرئيس إن هي فكرت في الترشح له.

د. سلوى الجسار: مفاجأة المفاجآت النسائية. نجاح في دائرة الحيتان بهدوء، وبلا ضجة إعلامية، وبحملة انتخابية بسيطة. كثيرون لم يسمعوا طرحها ولا يعرفون منطقها. أتخيل المشهد وكأن المرشحين كانوا في تصارع وتناطح على الباب الأمامي للمجلس، لتدخل الدكتورة بكل هدوء من باب الخلفي فتجلس على مقعدها وتضع شنطتها، وتجهز أوراقها، ليكتشف السادة الرجال أن ليس لهم سوى تسعة مقاعد باقية! ألف مبروك يا دكتورة. أداؤك في المجلس هو الفيصل في حالتك، ولا سبيل أمامك إلا إقناع الناخبين بصواب قرارهم، لأن الرجال سينتبهون للباب الخلفي في المرة القادمة.

د. أسيل العوضي: الحملة الانتخابية الأكثر حماسة وحرارة على مستوى الكويت ربما. معركة انتخابية شرسة، وضرب تحت الحزام بكل الوسائل، وبالرغم من ذلك تحقق الدكتورة انتصارا ساحقا عبر المركز الثاني. برافو.. برافو حقاً. لكن أتمنى حقا أن تعالج الدكتورة الأخطاء التي حصلت أثناء الانتخابات وأظنها تدرك ما أقصد، فالنجاح حتى بهذا المركز لا يعني أن شيئاً لم يحصل ولا شيء سيؤثر. أسلوب الهروب إلى الأمام عند الوقوع في عثرة هو خير الأساليب دائماً. نصيحة أخيرة، ياليت الدكتورة تقفل ملف «بلوتوث» طالبة كلية الطب فتسقط القضية، وستكون نقطة جيدة لمصلحتها.

د. رولا دشتي: الفارسة المقاتلة بلا هوادة. فوز مستحق ومن «عرق جبين» كما يقولون. أسلوب متميز في إدارة الحملة الانتخابية، وعقلية فذة وكفاءة واضحة لا ينكرها حتى مخالفوها. إلى الأمام يا دكتورة، وبالفعل «نقدر»... أثبتي لهم أن المواطنة الحقيقية لا علاقة لها باللهجة لا من قريب ولا من بعيد، ولترينهم كيف يكون حب الوطن والعطاء له؟

المحامية ذكرى الرشيدي: صحيح أنها لم تنجح، ولكنها استطاعت أن تحقق رقماً كبيرا جدا في دائرة قبلية مقفلة. الأستاذة ذكرى بنتيجتها الباهرة هذه قد سحقت خرافة أنه ليس هناك حظ للمرأة في دوائر القبليين. سيدتي أكاد أراك تحت قبة البرلمان قريباً، ويحق لنا أن نفخر بك اليوم وكل يوم. * * * رسالة لكل المتهيبين من وصول المرأة إلى البرلمان، لا تخافوا ولا تخشوا من شيء يا قوم، فستبقى السماء زرقاء والأنهار تجري، والعصافير تطير وتغرد. هوِّنوا عليكم وهدِّئوا من روعكم واستبشروا بالقوارير خيرا!