حلقت طوافة تابعة للجيش اللبناني فوق تلال سجد في جنوب لبنان، فأُطلقت عليها رشقات من نيران «صديقة» و{حليفة» او «مندسّة». قُتل الطيار سامر حنا، وأعلنت قيادة الجيش أنه قُتل بنيران مسلحين، لم تقل منْ، لم يحتج الأمر الى قول أو إعلان بل الى تفسير، سمعنا الشيخ عبد الأمير قبلان يقول إن «مندسا يعمل لحساب إسرائيل أطلق الرصاص على طائرة الجيش»، خطر ببالنا أن نفتش عن معنى تلك الكلمة، ذهبنا الى لسان العرب، نقرأ: «يقال دَسَسْتُ الشَّيءَ في التُّراب أدُسُّه دَسّاً». قال الله تعالى: «أَيُمْسِكُه عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ في التُّرابِ» (النحل 59).
الدّسَّاسة: حيَّة صَمَّاء تكون تحت التراب. أمّا قولهم دُسَّ البَعيرُ ففيه قولان، كلُّ واحدٍ منهما من قياس الباب. أحدُهما أن يكون فيه قليل من جَرَب. إن كان كذا فلأنّ ذلك الجربَ كالشَّيء الخفيف المُنْدَسّ. يبدو أننا في زمن ثقافة الدّسّاسة في كل شي (الحية من تحت التبن كما يقول المثل اللبناني)، لا يعرف المرء كيف ينجو من الدساسة، قُتل الضابط الطيار، وقبله العميد فرنسوا الحاج وبعده الجنود في طرابلس، والحديث على قدم وساق عن حرب اسرائيلية في جنوب لبنان، او حرب سورية في شماله، وما بين الحربين، الّدسّاسة بين الطوائف قبل حادثة الطوافة وبعدها، كل طائفة تملك دّسّاسة مخيفة، مرعبة، والبلد كلّه في دائرة دّسّاسة الرسائل من أقصاه الى أقصاه. قرأنا في مواقع الانترنت أن طوافة الجيش تجاوزت «الخطوط الحمر» فأطلق عليها «رجال الله» النار وأصابوها، وقرأنا أن المقاومة كانت تريد تحذير طاقم الطائرة لأنها مزوّدة بكاميرا فأصابت الضابط، يا للهول!! هل نقول إنها «رسالة» أو «سوء تنسيق»، أم إن الطير الطائر لا يمر فوق سجد، كما هي الحال في الضاحية الجنوبية. الغريب كان في الإعلام البرتقالي التابع للتيار الوطني الحر، أعلنت محطة «otv» أن عطلا فنيا حصل في الطوافة، ربما هذا الخبر من بنات خيال الجنرال عون او النائب في كتلته نبيل نقولا الذي لا يختلف صوته عن أصوات نواب «حزب الله». لم يخرج الجنرال ليتحدث عن «التفاهم» مع «حزب الله» وهو العائد حديثا من جزّين، ولم يتحدث عن تجاوز «الخطوط الحمر»، بينما وجد خصومه اللحظة المناسبة للحديث عن المربعات الأمنية في لبنان، أما الإعلام المناري الأصفر، فتعاطى مع الطوافة كأنها حادثة لم تقع على طريقة حرب الخليج في رأي جان بودريار، وسأل أحد الشبان في شارع الحمراء من مناصري المعارضة ما به هذا الضابط، كأنه يقول إنه لا يعترف بموته، ربما علينا أن نذكر هنا أن «حزب الله» لا يعترف بالأحداث الأخيرة التي وقعت في بيروت او سماها عملية موضعية نظيفة، وقد يقول عن إسقاط المروحية الأمر نفسه، فهذا جزء من ثقافة الإعلام السائدة، جزء من ثقافة الألوان والخطوط الحمر التي يتبعها حزب الله في لبنان. من قتل الضابط سامر حنا، الله أعلم!! علينا أن نكون مع «الأحمر شفايف» في مواجهة «الخطوط الحمر».
توابل - ثقافات
الدّسّاسة و الخطوط الحمر
31-08-2008