الفتوى التي أعلنتها الحركة السلفية منذ أيام حول عدم جواز التصويت للمرأة التي ترشح نفسها لانتخابات مجلس الأمة، أثارت ضجة كبرى وخلقت عاصفة سياسية هوجاء، هي أكبر بكثير في ظني من كل ما قد تكون الحركة السلفية نفسها قد تصورته.

Ad

هذه الفتوى، التي صورها البعض كقنبلة انفجرت في الساحة لتستهدف المرشحات وحظوظهن للوصول إلى البرلمان، ليست شيئاً جديداً، فهي فتوى قديمة جدا لايزال يقول بها الكثير من الناس، من باب اعتقادهم أن المقعد البرلماني هو من الولايات العامة التي يحرم على المرأة توليها، وهو الرأي الذي تعتنقه الحركة السلفية منذ ظهورها، وكانت ومازالت ترى نفسها مكلفة شرعاً للقول به بغض النظر عن أي شيء آخر.

وفي مقابل هذا يوجد رأي لآخرين يقول إنه لا مانع شرعيا من ترشح المرأة لمجلس الأمة، لأنه ليس من الولايات العامة فالقرار التشريعي في البرلمان قرار جماعي ليس منوطا بنائب فرد وعليه سيتشارك مع المرأة أغلبية من النواب الآخرين رجالاً ونساءً ليصبح القرار جماعياً ليس لمرأة لوحدها، وهناك غير هؤلاء أيضا مَن يرى أنه ليست كل الولايات العامة ممنوعة على المرأة أصلاً، كالقضاء على سبيل المثال، وهكذا تتنوع الفتاوى بحسب المدارس الشرعية المختلفة وزوايا نظر العلماء، ليكون في الأمر سعة للناس.

مخطئ من يظن أن الحركة السلفية قد أطلقت هذه الفتوى جزءا من لعبة سياسية يقصد منها مواجهة المرشحات النساء لتقليل الفرص المتنامية لبعضهن، فالمطلع على الساحة يعلم بأن هذه الحركة لا ينشط تأثيرها عموما إلا في الدائرتين الرابعة والخامسة، وحظوظ المرشحات في هاتين الدائرتين المغلقتين قبليا هي حظوظ مستقرة عند صفر التجمد، وستبقى كذلك لفترة باردة وطويلة من الزمن، ناهيك عن أنها ليس لها مرشحون في هذه الانتخابات، ولا حتى التي سبقتها، ولا يوجد على المرشحين المقربين منها أي تهديد "نسائي"، وعليه فمعادلات اللعبة السياسية هي أبعد ما تكون عن حسابات الحركة السلفية في هذا الموقف بالذات!

المنصف يدرك أن الحركة السلفية هي من أكثر القوى السياسية انسجاما مع نفسها حيث لم يسبق لها أن تلونت أو انقلبت على أي من مبادئها بحسب ما أعرف وأرى، سواء اتفقنا معها أو عارضناها، وأنا وإن كنت لا أتفق معها في فتواها هذه لأني أميل إلى الآراء التي لا ترى في ترشح المرأة للبرلمان بأساً، بل ولا يضرني أن أعترف بأني ممن يتمنون وصول المرأة إلى البرلمان فعلاً إن كانت لديها الكفاءة، إلا أنني أستغرب هذا الصخب العظيم الذي اختلق حول هذه الفتوى القديمة التي كان يمكن أن يتم تركها في حيزها المعهود لتمر بهدوء ككل مرة!

الحركة السلفية لم تنقلب لا على دستور ولا على قانون بفتواها هذه كما يهول البعض الأمور، وكل ما جاءت به اجتهاد فقهي معروف ومكرر، لن يكون أكثر إثارة من رأي مَن يرون أن الانتخابات أصلاً حرام ولا تجوز، وهذا الرأي أيضاً موجود من سنين ولم يغير من الأمر شيئاً!

وإن كان من رسالة فهي للمرشحات: هدئن من روعكن يا عزيزاتي المرشحات، فهذه الفتوى لن تغير من حظوظكن الانتخابية شيئاً في الغالب، بل لعلها أفادت الكثير منكن حيث أوجدت لهن اليوم مادة للحديث في ندواتهن بدلاً من التشريق والتغريب في "سوالفهن" المعهودة!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء