الصوت الذي يحصل عليه المرشح في أسفل القائمة له نفس قيمة الصوت الذي يرجح الفوز والخسارة، فمعرفة الفائزين بأن هناك ناخبين لا يتفقون معهم يضع عليهم عبء التقرب منهم لتفهم أسباب اختلافهم معهم وتبني مطالبهم أملاً في الحصول على ثقتهم مستقبلاً.

Ad

على الرغم من الزخم الذي صاحب الطعنين الانتخابين للمرشحين عسكر العنزي وسعدون حماد، فإن المحكمة الدستورية على الأقل أعادت الحق إلى أصحابه فيهما، وحققت إرادة الناخبين. ولكن هناك طعن انتخابي تم رفضه دون أن يعاد الحق لأصحابه ومر بهدوء، وهو الطعن الذي قدمه النواب عدنان عبدالصمد وحسن جوهر وأحمد لاري المرتكز حول فقدان كل منهم ثلاثة آلاف صوت لم يتم حسابها في النتيجة المعلنة، إلا أن المحكمة رفضت الطعن لانتفاء المصلحة الانتخابية كون النواب فازوا بالعضوية على أي حال.

ولا أضع نفسي في موقع الناقد لقرار المحكمة، ولكن كمهتم بتنمية الديمقراطية، ومؤمن بضرورة مراجعة القوانين والآليات التي تحكم العملية الانتخابية وفض المنازعات فيها. لقد استندت المحكمة في قرارها على تفسيرها للمنازعة التي ينازع فيها المرشح الخاسر في صحة انتخاب الفائزين في دائرته «الجريدة 17 يوليو». ولعل حساب الأصوات المفقودة لن يغير من النتيجة من حيث الفوز والخسارة، ولكن ما تم إغفاله هو مبدأ أن لكل صوت قيمة لا يقل عن غيره ويجب حسابه.

إن الإدلاء بالصوت هو تعبير عن رأي وموقف، والدقة في حساب الأصوات يعزز تعبير النتيجة الحقيقي عن إرادة الناس، لذلك فإن الصوت حق أصيل للناخب كما هو حق للمرشح الحاصل عليه، ولا يجب أن يختزل بفرص الفوز والخسارة. ولنضرب مثالاً لأهمية هذا المبدأ، ففي عام 2004 استضفنا في مجلة نبراس الإلكترونية التابعة لاتحاد الطلبة في أميركا المرشح لانتخابات الرئاسة آنذاك دينيس كوسينيتش، وسألناه عن جدوى استمراره في الانتخابات رغم حصوله على واحد في المئة فقط من الأصوات، فرد بأنه يريد إيصال وجهة نظر الأقلية التي تؤيده، وهي رسالة حتى يعي المرشح الفائز أن هناك واحدا في المئة من الناخبين لا يتفقون معه، وعليه وضعهم في الحسبان خشية اتساع قاعدتهم، وبذلك يكون صوت هؤلاء الناخبين القلة قد وصل إلى مراكز القرار حتى إن لم يفز مرشحهم.

إذن الصوت الذي يحصل عليه المرشح في أسفل القائمة له نفس قيمة الصوت الذي يرجح الفوز والخسارة، فمعرفة الفائزين بأن هناك ناخبين لا يتفقون معهم يضع عليهم عبء التقرب منهم لتفهم أسباب اختلافهم معهم وتبني مطالبهم أملاً في الحصول على ثقتهم مستقبلاً، أما تجاهل إرادة ثلاثة آلاف ناخب فقط لأنها لن تغير النتيجة من حيث الفوز والخسارة فهو رسالة بأن أصواتهم غير مهمة، وكان الأجدر بهم الجلوس في البيت بدلاً من الوقوف في الطابور تحت الشمس الحارقة لممارسة دورهم الوطني، وهذا لا يستقيم مع أهداف تنمية الديمقراطية وتوسيع المشاركة الشعبية.

Dessert

أمامنا فرصة تاريخية لتطوير القوانين والآليات التي تنظم ديمقراطيتنا، فلنستغلها بنقاش هادئ وهادف بدلاً من الصراخ والتكسب.