مذهب القندره!
«الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم» رحم الله أبا الطيب المتنبي، وغفر له، فقد نسي أن يضيف الى بيته الشعري، أهم سلاح يستخدمه العرب في معاركهم الفردية، ألا وهو «الجوتي» أو «الجزمة» أو «الصرماية» أو «القندرة»، تعددت الأسماء والمعنى واحد أجلكم الله، ولو كان قد قاله على النحو التالي: «الليل والخيل والبيداء تعرفني......
«الخيل والليل والبيداء تعرفنيوالسيف والرمح والقرطاس والقلم»
رحم الله أبا الطيب المتنبي، وغفر له، فقد نسي أن يضيف الى بيته الشعري، أهم سلاح يستخدمه العرب في معاركهم الفردية، ألا وهو «الجوتي» أو «الجزمة» أو «الصرماية» أو «القندرة»، تعددت الأسماء والمعنى واحد أجلكم الله، ولو كان قد قاله على النحو التالي: «الليل والخيل والبيداء تعرفني... والسيف والقندرة والصرماية والجزم»... لكان أكثر واقعية وإقناعا!الحقيقة أن لأمة العرب تاريخاً حافلاً متنوعاً في استخدام «الجزم» و«القنادر» بأشكالها ومقاساتها كافة، لا ينافسها في ذلك أمة من الأمم على امتداد التاريخ، وهو أمر واضح وجلي لا ينكره الا جاحد أو حاسد لهذه الأمة العريقة، وما أكثر حسادها والحاقدين عليها «فليموتوا بغيظهم»!وحين نتحدث عن الاستخدامات المتعددة والمتنوعة «للجزمة» العربية المتميزة، لا نعني بأي حال من الأحوال استخدامها في المشي أو الجري، فهذا ما يفعله سكان الأرض كلهم، لكننا تميزنا عنهم باستخدامات لم تخطر على بال أحد من الشعوب النائمة التي يسمونها متحضره، وهي التي لا تعرف الإبداع أبدا!في مصر على سبيل المثال، إن استدان مواطن من صاحبه بعض المال، وكان هذا الصاحب «لا يستحي على دمه»، يلح في استرداد ماله بعد مضي وقت طويل على موعد السداد، فللمستدين أن يدافع عن نفسه، ويرد الصاع صاعين، قائلا له بصوت عال يسمعه الجميع، مشيرا بسبابته إلى الأسفل «فلوسك حتاخذها على داير المليم... وعالجزمة القديمه كمان»! وفي سورية ولبنان، حين تتهم الزوجة زوجها بالبخل والتقتير عليها، وبأنه لم يعد يحبها كالسابق، وأن كل همه هو جمع «المصاري» فقط، ويكون هذا العتاب ليلاً في معظم الأحيان، والرجل مستعجل لشوشته، ووضعه صعب، لذلك تراه يقول لها ودون وعي منه: (لك «مصاري» شو... المصاري كلياتا فدا «صرمايتك» يا روحي)!أما في الكويت، فعادة ما يستخدم «الجوتي» لتهديد وترويع الخصوم قبل بدء الهوشة الحقيقية، فلا يكاد يخلو تلاسن بين اثنين من عبارة «إن ما سكت واحترمت نفسك بأقطع هالجوتي على رآسك»!أما في العراق فتستخدم «القندرة» في مواضع كثيرة، أكثرها على شكل شتيمة، حين يقال لأحدهم «يا قندره» أو «مذهب القندره»!غير أن العراقي والكويتي والسوري والمصري وبقية المواطنين العرب الشرفاء، لن يجدوا أفضل من القنادر والجزم سلاحا يرهبون به عدوهم، أو يردوا به أي اعتداء سافر عليهم، وهو كان ولا يزال سلاح الجماهير الغفيرة المفضل، لأن تكلفته بسيطة، ومفعوله أكيد، وخسائره لا تكاد تذكر، ويعود على الدوام إلى قواعده سالما بعد أن يقوم بقصف الأعداء!والصحفي العراقي الذي قذف الرئيس الأميركي منذ أيام بـ«قندرته» المنطلقة كصاروخ «كروز» كان يعبِّر بعفوية تامة عن ثقافة «الجزمة» التي تربى ونشأ عليها منذ الصغر، واعتاد أن يحل خلافاته الشخصية عن طريقها، والمطلوب من الرئيس بوش ألا يكون حساسا «حبتين»، وألا يأخذ على خاطره من شقيقه في الإنسانية. ولأن المرء دائما ما تهون عليه مصائبه حين يقارنها بمصائب الآخرين، لذا نرجو من المسؤولين العراقيين أن يحكوا له حكاية «شجرة الدر» التي لقيت حتفها ضربا بـ«الجزم»، وفي مقولة أخرى بـ«القباقيب» وهي نسخة خشبية عتيقة من الأحذية استخدمها المصريون قديما ومازالوا!أما أهم ما في الموضوع كله، أن هذه الحادثة قد أفرحت العرب جميعهم، حين حققت لهم هذا الانتصار «الجزماتي» العظيم، فقد ذكرتهم بأمجادهم الضائعة، وجعلتهم يغنون بصوت واحد:«والله زمن يا حذائي... اشتقت لك في كفاحي»!