قد لا يقتنع كثيرون بـ«قانون الجذب» الكوني، وهم محقون في ذلك، حيث لا تجد تفسيراته المتنوعة سندا علميا مثبتا، لكن «القانون» أو ما يطلق عليه «سرّ الحياة»، فضلا عن كونه ينشّط دورة الأحلام ويدرب على الإيجابية في التفكير والممارسة، فإن في ثناياه ما يستحق التأمل فعلا.
يقوم «قانون الجذب» على فكرة أن الإنسان يجذب إليه ما يفكر فيه، سواء كان التفكير إيجابيا أو سلبيا، واعيا أو غير واع، «إذا رأيت ما تطمح إليه بعين خيالك، فسوف تمسك به بين يديك». فالأفكار تحمل قوة مغناطيسية ولها تردد، وأثناء التفكير يجري بث تلك الترددات عبر الكون لتجذب إليها من ذلك الكون ما يشبهها وعلى التردد نفسه!على ذلك، فإن على مناهضي الحرب مثلا، أن يركزوا تفكيرهم على السلام ونعيمه بدل التركيز على الحروب ومآسيها، وإلا لكانوا يستدعون مزيدا من المعارك عبر طاقة أفكارهم السلبية، وعلى المتذمرين من سوء أوضاعهم المعيشية أو العاطفية أو غيرها، أن يكفوا عن التفكير في تلك الأوضاع السيئة، التي تجلب المزيد منها باستمرار. «فقانون الجذب» حيادي، يستجيب فقط لما ينبثق عن المرء من ترددات أفكاره الأكثر تدفقا. وتتراوح قوة «السرّ» حسب منظريه ومريديه، من مجرد التمتع بالإيجابية وانعكاساتها على الشخصية والأداء في الحياة، إلى إمكانية الحصول على أي شيء يكون موضع رغبة، كالشفاء من مرض أو تحقيق نجاح أو كسب مادي. وعبر هذه النظرية، يفسّر أصحابها قائمة طويلة من الأمثال الشعبية والحكم المتوارثة والمواعظ الدينية، من مثل، «من يخاف من شيء يظهر له»، «تفاءلوا بالخير تجدوه» وغيرها كثير. ومن خلالها يفسرون لماذا تفصيل صغير مزعج في بداية اليوم قد يجر وراءه يوما «منحوسا» في تفاصيله كافة. ورغم أن بدايات ظهور «قانون الجذب» عبر الإعلام تعود إلى أكثر من مئة عام، فقد عادت بقوة إلى الظهور مع الفيلم الوثائقي «السرّ» من صنع الزوجين هيكس عام 2006، والذي ألحق بكتاب يحمل الاسم نفسه بعد ذلك بعام، وأصبح من الكتب الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة وحظي بتغطية إعلامية واسعة. فضلا عن عرض تجارب عدد كبير من الأشخاص الذين جربوا تطبيق القانون بنجاح منقطع النظير وفقا لرواياتهم، يدعي الكتاب أن عظماء التاريخ كأفلاطون ونيوتن وبيتهوفن وشكسبير، عرفوا «السرّ» وكانوا السباقين إلى تطبيقه. هكذا ازداد عدد مريدي «السرّ» عبر العالم، والذين لا يحتاجون لتحقيق أحلامهم سوى القيام بعدة خطوات؛ الرغبة الصادقة في شيء ما محدد وواضح، التفكير بذلك بشكل إيجابي جدا إلى حد الشعور كما لو تم تحقيق الرغبة فعلا، وعدم التردد أمام الفرصة حين تسنح لتحقيقها. لاقى قانون الجذب بالمقابل اعتراضات كثيرة في الحقل العلمي نفت أن يكون له أي سند في هذا الإطار ومؤكدة أنه مجرد فرضية تستحيل تجربتها وإثباتها علميا. كما اعترض آخرون على لا منطقيته، حيث كيف من الممكن تفسير غرق أمم بأكملها في الفقر والمرض والجهل مقابل أمم أخرى تمتلك الثروة والتقدم العلمي والفكري. مريدو القانون يعزون ذلك إلى الثقافة السائدة في كل مجتمع، والتي من شأنها أن تشجع على التفكير الإيجابي والمبادرة أو العكس، فهناك الملايين كما يقولون، ممن يطبقون «السرّ» في حياتهم العملية، من غير أن يكونوا قد سمعوا به سابقا، وذلك كنتيجة لثقافة مجتمعهم التي تحفز مثل هذا التفكير. بغض النظر عن الإيمان بتلك النظرية من عدمه، فإن في الأخذ والرد حول مبادئها ما يستحق التأمل. بدءا من سؤال، ماذا نريد فعلا أن نحقق في حياتنا وإلى أي مدى نؤمن بما نريد، ومرورا بموقفنا العملي تجاه ما نرغب به ومدى إصرارنا على تحقيقه، وانتهاء بالطريقة التي نفكر فيها بما نرغب، بمحبة، بشغف، بفرح، بتذمر، بملل... وكيف ينعكس ذلك على سعينا لتحقيقه. على أي حال، بإمكان من يرغب في تجربة «سرّ الحياة»؛ فمن لا يملك منزلا على سبيل المثال، ما الضير أن يحلم على الأقل بامتلاكه. وحول الأحلام الأبعد مدى، لا يمكن الجزم. لم يذكر القانون شيئا عن الأحلام الجماعية للشعوب، بالحرية أو الديمقراطية مثلا. لكن عن طريق الإسقاط، فإن عدم تحققها يفترض أن تلك الشعوب ليست راضية عن أوضاعها ومتململة في قيودها، من غير أن يعني ذلك أبدا أنها تفكر في الحرية أو الديمقراطية وتسعى إليها، على ذمة «سرّ الحياة» دائما!* كاتبة سورية كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
مقالات
سرّ الحياة
17-04-2009