حوسة 2009!
دخول الأسرة على خط التشابك بين الأعراف والقواعد السياسية وفي هذا التوقيت المتأزم تحديداً، من شأنه تعقيد «الحوسة» القائمة بالفعل وعلى أكثر من صعيد، رغم الحق الأصيل والدستوري لأبناء الأسرة في التعبير عن رأيهم ومواقفهم كمواطنين إضافة إلى كونهم حجر زاوية في النظام السياسي ومحور الحكم في البلاد، ولكن تبقى تبعات ذلك قائمة شاءت الأسرة أم أبت.«الحوسة» السياسية التي تعصف بالحالة الكويتية منذ شهور عدة لم يكن ينقصها دخول أبناء الأسرة على الخط ليزيدها تعقيداً، فالأوضاع المرتبكة أصلاً بسبب الخلافات العميقة بين القوى السياسية والكتل البرلمانية داخل وخارج المجلس، والأجواء المكهربة بفضل المادة الإعلامية التي تضخها ماكينة الصحافة المحلية والقنوات الفضائية ومواقع الإنترنت والرسائل القصيرة مجتمعة وعلى مدار الساعة وبالأشكال والألوان والأذواق المختلفة، تكفي «لتعفيس» شعب بحجم الصين، فما بالك بمجتمعنا الصغير والمتواصل بشكل دائم عبر الدواوين، وتبادل الزيارات، وسهرات «القهاوي»، وحفلات الأعراس، ومجالس التعازي، وفي الدوائر الحكومية حيث الكثير من الموظفين بلا شغل ولا عمل إلا في التداول في الشأن السياسي.
وبسبب التشابك القوي بين الأعراف والتقاليد الكويتية من جهة وأصول وقواعد العمل السياسي والنظام الدستوري من جهة أخرى تبقى الصورة السياسية غامضة المعالم وخاضعة للشد والجذب حيث يتم تفسيرها بحسب ما تخدم المصلحة الآنية لكل طرف من أطراف الخلاف والمنافسة، ولعل من أبرز تطبيقات هذا التشابك هو طريقة التعاطي مع سيل الاستجوابات الموجهة لسمو رئيس مجلس الوزراء في الفصل التشريعي الحالي وبسابقة لم تشهدها الحياة البرلمانية في تقديم استجوابين مختلفين معاً ليس لوزير... وإنما لرئيس الحكومة! ولذلك، فإن دخول الأسرة على خط التشابك بين الأعراف والقواعد السياسية وفي هذا التوقيت المتأزم تحديداً، من شأنه تعقيد «الحوسة» القائمة بالفعل وعلى أكثر من صعيد، رغم الحق الأصيل والدستوري لأبناء الأسرة في التعبير عن رأيهم ومواقفهم كمواطنين إضافة إلى كونهم حجر زاوية في النظام السياسي ومحور الحكم في البلاد، ولكن تبقى تبعات ذلك قائمة شاءت الأسرة أم أبت.فمن صور هذا التعقيد وتبعاته في ظل أجواء التوتر القائمة أساساً نقل مثل هذا التوتر إلى داخل منظومة الحكم، وقد تجلى ذلك بوضوح وبناءً على ما تسربت من معلومات عن اجتماع الشيوخ مساء الثلاثاء الماضي والمناقشات الحادة التي قسَّمت أبناء الأسرة الواحدة إلى فريقين على الأقل يحرض الفريق الأول منهم على الانقلاب على الدستور وتعطيل الديمقراطية، مقابل الفريق المدافع عن هذه المكتسبات الديمقراطية ودستور 1962، ومثل هذا الانقسام يمكن أن يتلقف بسهولة ليؤكد أن بعض صور الصراع السياسي بين الكتل والجماعات السياسية الشعبية هي امتداد للخلافات بين أبناء الأسرة أنفسهم، بل إن التحريض على الديمقراطية منبعه وغطاؤه السياسي يعودان إلى بعض الشيوخ أنفسهم.ومن صور هذا التعقيد السياسي الناجم عن خوض أبناء الأسرة في الشؤون السياسية عموماً وفي شأن مجلس الأمة، على وجه التحديد، هو خلق المزيد من الخلط بين الأعراف السياسية والقواعد الدستورية، فالجانب العاطفي المتمثل بالفزعة لشخص سمو رئيس مجلس الوزراء ومهما كان مبرراً كغطاء لحفظ هيبة الحكم، فإن استخدامه كذريعة لحل المجلس بشكل غير دستوري أو حتى دستوري يعتبر تدخلاً غير محمود في شؤون مجلس الوزراء الذي يملك منفرداً حق رفع تقرير عدم التعاون مع مجلس الأمة إلى سمو الأمير الذي يملك بدوره الحق في تقرير ما يراه مناسباً في هذا الخصوص، ومجلس الوزراء من جهته ممثل بعدد من أبناء الأسرة الذين يملكون حق المشاركة في مثل هذا القرار.النتيجة... فإن الخوض في مثل هذه القضايا التي يفضل أن يتم في أوساط الأسرة المحفوفة كآراء تشاورية، ينبغي ألا تظهر إلى العلن لأن من شأن ذلك أيضاً أن يضعها في دائرة النقاش العام، ومن المؤكد أن تتفاوت حولها طرق التقييم والنقد، في وقت تكون الحاجة الملحة أن تبقى هذه الأسرة الكريمة بمنأى عن التجريح السياسي أو حتى الشخصي لكونها محل إجماع أهل الكويت ومنبع حكامها الذين لا بديل عنهم، وهذه هي الحقيقة الوحيدة التي أكدتها الأعراف والقواعد الدستورية على حد سواء.