غير مقنعة كل هذه الأسباب التي تساق لرفض إرسال قوات عربية (مصرية على وجه التحديد) لضبط الأوضاع الأمنية المتفاقمة في غزة والتهيئة لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2009 لإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، جغرافياً وسياسياً وإدارياً، المستمرة منذ أكثر من عام والتي أخطر ما فيها أنها غدت مبرراً لتهرُّب الإسرائيليين من العملية السلمية، وإعطاء ذريعة للعالم المتردد لتصديق الادعاءات الإسرائيلية بعدم إمكان المضي بعملية السلام مادام أن هناك دولتين فلسطينيتين لكل واحدة منهما برامجها المتصادمة مع برامج الأخرى.

Ad

في كل يوم تُطلق من غزة آلاف الصيحات المتسائلة: أين العرب...؟ وينسى هؤلاء المتسائلون، بهدف التحريض ومن أجل إحراج الدول العربية وأولها مصر، أنهم يرفضون منظمة التحرير المعترف بها عالمياً ودولياً بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، كما أنهم ينسون أنهم يرفضون مبادرة السلام العربية وأنهم وضعوا نصب أعينهم تدمير السلطة الوطنية بإظهارها أنها عاجزة وأنها غير مؤهلة لتكون شريكاً في عملية السلام، وكل هذا من دون ان يأخذوا رأي ولا دولة عربية واحدة.

ما هو المطلوب من العرب ان يفعلوه لغزة مادام ان رأيهم غير مسموع، ومادام ان جهودهم لرأب الصدع الفلسطيني لم تقبل ولاتزال غير مقبولة، ومادام ان اقتراحهم بإرسال قوات عربية (مصرية) الى «القطاع»، ولفترة مؤقتة تجري خلالها انتخابات تشريعية ورئاسية تشرف عليها الأمم المتحدة والجامعة العربية، وتكون ملزمة لكل من يتعاطى مع القضية الفلسطينية، مرفوض لأن هناك في الإقليم من يرفضه ولا يريده...؟ هل المطلوب ان يحرك العرب جيوشهم في زحفٍ لـَجبٍ ويضعوها بأمرة صاحب «التهدئة» المؤقتة الى ان تنتهي هذه التهدئة...؟!

لا توجد من بين الدول العربية كلها... كلها ومن دون استثناء ولا دولة واحدة مع خيار الحرب، فهذه المسألة تجاوزها الزمن في المدى المرئي، وهناك مبادرة السلام العربية التي هي سلاح العرب في معركة عملية السلام، وهناك المفاوضات غير المباشرة التي قد تتحول الى مباشرة في أي لحظة، وهناك «الهدنة» التي اقترحها الذين يرفضون القوات العربية، والتي تعطي لإسرائيل عشرين عاماً من راحة البال ومن دون أي ثمن لا على الأرض ولا في السماء.

لا توجد مقاومة في غزة حتى يقال إن القوات العربية المقترحة تستهدفها... إن الموجود هو تنظيمات متصارعة على السلطة، وتنظيمات بـ«تهدئة» تريدها طويلة، وتنظيمات تصر على خرق هذه الهدنة لإحراج أصحابها... إن الموجود هو شعب فلسطيني معذب فقد الأمل في كل شيء، ولديه الرغبة الجامحة في الرحيل عن وطنه لو فتحت له الأبواب والمعابر... وهو جوع و«تعثير» ومقْتٌ وكبت وزنازين وتكميم أفواه، كما قالت حركة الجهاد الإسلامي في آخر بيان لها أصدرته أمس الأول!

* كاتب وسياسي أردني