المقاطع: ثلاثة أسباب وراء الخروج على دولة المؤسسات
شرح الخبير الدستوري د. محمد المقاطع أسباب تراجع الدولة عن أن تكون دولة مؤسسات، وأوضح أن حل إحياء دولة المؤسسات يكمن في التمسك بالدستور واحترام مبادئه. أرجع الخبير الدستوري د. محمد المقاطع أسباب ابتعاد الكويت عن أن تكون دولة مؤسسات الى التشريعات والقوانين التي أصدرت، والتي لم تواكب إكمال حلقة دولة المؤسسات، مع عجز الحكومة وتقاعسها عن ان تكون سلطة تنفيذية، من خلال اللوائح التي تعززها، إذ إن الواقع العملي يشير إلى تآكل ركائز دولة المؤسسات وتفتيت مؤسساتها، مؤكدا اننا نستطيع احياء دولة المؤسسات من خلال التمسك بالدستور واحترام مبادئه.
وقال المقاطع: ان الكويت وضعت اسسا وركائز لدولة المؤسسات من خلال الدستور، الذي خص كل من له علاقة بإدارة الدولة بسلطة محددة وفقا لجهاز يتولى ذلك، وبآليات واجراءات تضبط حركة هذه المؤسسات وتقويها، ووضعت في منظومة متكاملة وبصورة دقيقة، لكن الملاحظ أن هناك خروجا على دولة المؤسسات هذه وتجاوزها في الكويت لثلاثة اسباب، أولها: التشريعات والقوانين التي صدرت، عاجزة عن إكمال حلقة دولة المؤسسات بإنشائها، وعلى صعيد السلطتين التشريعية والتنفيذية على النحو المطلوب بما يضمن استقلاليتها وتكاملها وقدرتها على اداء اعمالها بصورة صحيحة، فجاء على سبيل المثال بناء المحكمة الدستورية ناقصا، يحتاج الى اعادة نظر، لانه ليس البناء الذي اراده الدستور، وهناك امثلة أخرى عن ومجلس القضاء الاعلى، والسلطة القضائية وطبيعتها ودورها، وميزانيتها، كلها تنتقص من دورها على النحو المطلوب، وهذا خلل في التشريع بانتقاصه لدولة المؤسسات، وعدم إكمالها كما ينبغي. وتابع الخبير الدستوري: وعلى صعيد التشريع في ما يتعلق بالسلطتين التشريعية والتنفيذية، فإن السلطة التشريعية لم توجد تشريعا يحدد آليات واجراءات مواجهة حالات تعارض المخالفة واستقلال المنصب النيابي، والاجراءات الحقيقية التي يمكن ان توقع بصورة واضحة، كما جاءت اللائحة الداخلية لمجلس الأمة بصورة لا تواكب الدور المطلوب، فأصبح مجلس الامة يقوم بعمل جزئي، حتى بات عمله من خلال موضوعات، دون استناد إلى دور مؤسسي منتظم يسير بصورة متكاملة، وهو ما اوجد فجوات في العمل البرلماني بالكويت. وهناك نواقص كثيرة لسنا بصدد سردها، وعلى صعيد السلطة التنفيذية هناك تداخل وتشابك بين الأجهزة الحكومية اوجدتها التشريعات، كما أن هناك نوعا من التنازع السلبي، بحيث يلقي كل جهاز تنفيذي الخطأ على الجهاز الآخر، وهذه وجوه تخل بدولة المؤسسات التي أرادها الدستور. أما السبب الثاني، فجاء من عجز الحكومة وتقاعسها عن أن تكون سلطة تنفيذية قوية عبر اللوائح التي تعزز دولة المؤسسات، فجاءت بالعديد من اللوائح سواء التنفيذية او التنظيمية او لوائح الضبط ناقصة، كردة فعل بصورة غير واضحة، مما تسبب في إجهاض ما هو مطلوب من دولة المؤسسات، حتى في طريق وآليات واجراءات اختيار القياديين التي نصت عليها لوائح أخلّت بدور دولة المؤسسات.أما السبب الثالث فأرجعه المقاطع إلى تحول الكويت عن دولة المؤسسات نحو واقع عملي، يشير الى أن دولة المؤسسات تم الخروج عليها، وتآكلت ركائزها، وفُتِّتت مؤسساتها واجهزتها من خلال ممارسات مجلس الأمة بتدخل الشؤون المباشرة للسلطات المختلفة، بتحول اعضاء مجلس الأمة من اعضاء يحملون مصالح الناس والهم العام الى اعضاء يسعون الى تخليص المعاملات، فتحولوا الى مراسلين وممثلين لتحقيق مصالح خاصة، مما اجهض الدور المؤسسي لمجلس الأمة، وأصبحت غاية المجلس تخليص المعاملات وتحقيق المكاسب، لا إرساء مبادئ الدستور، والتمسك بسيادة القانون ومؤسساته، كذلك على صعيد العمل التنفيذي نجد أن اهتمام الوزراء لم يعد منصبا في محاولة اكمال البناء التراكمي للدولة، ولكنهم صبوا اهتمامهم في التحدث عن انجازاتهم، وباتت المؤسسات الحكومية تتحدث عن انجازات في عمر زمني لا يتجاوز ستة اشهر، في رسالة توحي بأن السابقين عبثوا بأمور الدولة، وهم المنقذون، فأصبحت الشخصانية في البناء المؤسسي بديلا عن البناء التراكمي للمؤسسات.وهذا الأمر في الواقع العملي للسلطات الثلاث ادى الى اضعاف دولة المؤسسات، إضافة إلى السلطة القضائية، فقبول اعضائها أن يكونوا منتدبين، ومشاركتهم في اعمال تثمن اعمال السلطة التنفيذية، وعدم الترفع عن ذلك، والنأي بأنفسهم عن ان يكونوا جزءا من هذه الممارسة اليومية ادى الى اجهاض الدور المؤسسي للقضاء ورجاله، الذين يجب ان يبتعدوا عن ذلك. وقال المقاطع في نهاية حديثه: «نستطيع احياء دولة المؤسسات من خلال التمسك بالدستور، وما جاء به، واحترام مبادئه».