اعذريني يا صغيرتي... حسبته زمن الإنسانية

نشر في 12-01-2009
آخر تحديث 12-01-2009 | 00:00
 لمى فريد العثمان صغيرتي... لم أرغب أن أحدثك هذا الحديث... فقد حاولت أن أخفي عنك هذه الصور قدر المستطاع، ولكني مجبرة بعد أن شاهدت بنفسك ما يفعله الوحوش برفاقك في الطفولة والإنسانية.

نعم قُطفت ورود الياسمين يا حبيبتي قبل أن تتفتح... وتُرك الصغار وحدهم يدورون حول أنفسهم في محاولة للبحث عن أهاليهم الذين كانوا ينامون في أحضانهم الدافئة قبل لحظات!

أعتذر لك يا صغيرتي على هذه المشاهد المؤلمة... أعتذر لأني كنت أحاول أن أعلمك العزف على سيمفونية الحب والعدالة والإنسانية.

أعتذر لأني كنت واهمة أن في عصرنا هذا أصبح الإنسان أخاً للإنسان... وأن الأصولية على وشك أن تُقتلع من جذورها وأن السلام قاب قوسين أو أدنى... لتقتلع مكانها رأس الطفولة وتعدم الفراشات قبل أن تحلق في السماء... ونكتشف أننا حالمون... واهمون.

أتعلمين يا صغيرتي أن الأصولية الدينية، أيا كانت، هي سبب مأساتنا في هذا العالم... وأن الصهيونية أصولية... لا تصدقين أكذوبتهم بأنهم ليبراليون أو ديمقراطيون... فالأصولية اليهودية المعاصرة هي امتداد لعصور الفاشية والدكتاتورية، بل هي نكسة ونكبة وانحراف عن كل قيم التنوير وفلاسفته الذين جعلوا الإنسان محور الكون.

كيف لا وهي (الصهيونية) التي بنيت على فكرة التمييز و»النقاء العرقي» من خلال ميثولوجيا دينية تقدس العرق اليهودي وتستبيح الأعراق الأخرى؟

كيف لا وهم من يشيِّدون الجدار العنصري، ويبنون آلاف المستوطنات، ويهجِّرون ويشردون ويبيدون الفلسطينيين بشكل سادي يتنافى مع أبسط حقوق الإنسان، ليقيموا على أنقاضه كيانا عنصريا بامتياز... بل ويدَّعون أنهم «شعب الله المختار» الذي قضى حياته الماضية بانتظار المخلِّص «القوي» الذي يوحدهم بعد شتات وتفرق... ويعيدهم إلى «أرض الميعاد»... والذين حين جاء المسيح برسالة التسامح والمحبة اعتبروه جبانا وضعيفا فكفروا به واضطهدوه؟

لا تصدقيهم يا حبيبتي... فهم مثل أصوليينا تماما؛ يدعون على الأطفال باليتم والتشريد والإبادة، بل ويرهبون ويحرقون ويقتلون الأطفال والأبرياء بدم بارد. فالأصوليون اليهود يرددون مقولتهم: «وتحطم أطفالهم أمام عيونهم وتنهب بيوتهم وتفضح نسائهم»... تماما كما يدعو أصوليونا: «اللهم يتِّم أطفالهم، ورمِّل نساءهم واجعلهم وما بين أيديهم غنيمة للمسلمين»... فالأصوليون يتشابهون في كل زمان ومكان!

اقرئي يا حبيبتي أدبياتهم وسوف ترين أنهم يتشابهون في بطشهم وعنفهم وعنصريتهم وغرورهم واستعلائهم، وفي إيمانهم بحتمية انتصارهم على الأعداء، وفي عقولهم المغيّبة بظلام الخرافة والأساطير والعيش في الماضي، وفي محاربتهم لمساعي السلام وحقن الدماء، وفي استخدامهم لعقدة اضطهادهم التاريخية التي غذت فيهم الكراهية والحقد والانتقام ومحاولة التحرر من هذا الاضطهاد من خلال سياسة الإبادة والمحو، وفي سعيهم لإخضاع العالم أجمع لسطوتهم من خلال العنف والارهاب، وفي دعوى النضال المسلح وتحقيق «الوعد الإلهي» كما يصفه الصهاينة، أو «النصر الإلهي» كما يردد أصوليونا، وفي مأسسة العنصرية وتربيتها في مناهجهم.

وحتى في صراعهم مع الليبراليين والتنويريين في مجتمعاتهم تشابهوا... فالأصوليون يلتزمون حرفية النص الديني ويرفضون إعمال العقل، والليبراليون والتنويريون يعتمدون على العقل وتأويل النصوص الدينية، بل ويتشابهون في انتصار أصولييهم على ليبرالييهم وعلى قيم التنوير والحداثة والعقلانية والإنسانية التي تدعو إلى محو الفروق على أسس عرقية أو دينية أو لونية، وتقف ضد امتلاك الحقيقة المطلقة، كون المطلق لا يقبل بالتعددية، وتتخذ من النسبية منهجا لها... ولا عجب أن أينشتاين اليهودي، مؤسس النظرية النسبية، رفض فكرة الصهيونية والهجرة إلى إسرائيل.

إن كل أصولية يا صغيرتي تترعرع وتنمو وتتغذى بتنامي الأصولية الأخرى؛ فالكراهية تولَّد الكراهية والعنف يخلق مزيداً من العنف، ليصبح العالم بأسره أكثر خطرا وتهديداً، وتغدو الأصولية مأزق العصر الحديث، كما القديم.

فاقرئي يا حبيبتي التاريخ... وأعيدي قراءته كما كتبه المنهزمون ولا تقرئي فقط ما يكتبه المنتصرون- أو ما يحشون به عقلك الصغير.

اقرئي للذين هزمتهم الأصولية مثل ابن خلدون والجاحظ وابن رشد، لتكبري وتفهمي أن الإنسان يأتي قبل أي شيء، ولتعلمي كيف دمرت الأصولية أخاك الإنسان، ولتكتشفي أن الحمامة لم تكن بيضاء كما يصورها مزورو التاريخ، وأن القتل والإبادة والإرهاب هي غرائز أساسية في ذهنية ونفسية وسلوكية الأصولي، وأن الإنسانية ودولة الإنسان لن تتأتيا إلا من خلال الليبرالية والتنوير والديمقراطية.

حديثي اليوم هو ليس حديث الكراهية يا عزيزتي- لا على الإطلاق- بل هي دعوة لاعتناق الإنسانية... مهما كانت الفواجع والكوارث.

أعلم يا قرة عيني أنك لن تفهمي كلامي هذا الآن لصغر سنك... علَّك تفهمينه حين تكبرين وتستخدمين عقلك... لتعذريني يا صغيرتي... فقد حسبته زمن الإنسانية.

back to top