قرار الحركة الدستورية تقديم رئيس مجلس الوزراء إلى المساءلة البرلمانية يعتبر بمنزلة الإعلان عن دخول «حدس» النادي النووي للاستجوابات، وامتلاك أقوى أنواع الأسلحة السياسية، والصعود إلى منصة الكبار على المسرح الكويتي، ومصطلح النادي النووي ظهر في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وانحصرت عضويته في الدول الخمس العظمى في العالم، والمنتصرة في تلك الحرب، والتي فرضت وصايتها على بقية الدول من خلال حق النقض الفيتو في مجلس الأمن الدولي.
ومنذ ما يقارب نصف القرن من الزمان تسعى هذه الدول مجتمعة، ورغم اختلافاتها الحادة والمتناقضة، إلى منع أي دولة أخرى من دخول ناديها الخاص عبر بوابة امتلاك السلاح النووي، ولكن، وعلى الرغم من كل تلك الجهود التي لم تخلُ من الضغط السياسي والعقوبات الاقتصادية، وحتى الضربات العسكرية الاستباقية، نجحت بعض الدول الصغيرة في اختراق النادي النووي، وانتزعت حق الكلمة المسموعة عالمياً، وإلى حد كبير درأت عن نفسها خطر الاعتداء حتى من دول النادي نفسها.وكنموذج مصغر للنادي النووي، أصبح سلاح استجواب رئيس الوزراء في الكويت رسالة واضحة من القوى السياسية أو الكتل البرلمانية بأنها قادرة على فرض كلمتها، وإرغام الحكومة على الاستجابة لمطالبها السياسية وغير السياسية، فطوال السنوات الثلاث الماضية تشهد الساحة السياسية مخاضاً عسيراً ينبئ بتطورات جديدة لم تحن ساعة ولادتها بعد، رغم تعاقب خمس حكومات وثلاثة مجالس نيابية، في دلالة على ضعف السلطة التنفيذية، وافتقارها إلى التجانس والبرامج الواضحة من جهة، وعدم قدرتها على تغيير ملامح التركيبة البرلمانية رغم تكرار إعلان الطلاق السياسي مع المجلس من جهة أخرى.فقد نجحت جميع الاستجوابات المقدمة والمعلنة من قبل الكتل النيابية وحتى النواب المنفردين، إما في إسقاط الحكومة وإما في إعادة أصحابها إلى مقاعد المجلس بعد حله، ولذلك لم يحلُ للحركة الدستورية، وهي من أكثر التيارات السياسية تنظيماً وانتشاراً، وأوسعها نفوذاً في الجهاز الحكومي، وأغناها من حيث القدرات الاقتصادية والمالية، أن ترى نفسها دون مستوى نائب واحد قادر على إحداث حراك سياسي كبير ومدوٍّ في الساحة. ومن هذا المنطلق فإن استجواب «حدس» المعلن في رأيي لا يخص قضية «الداو» أو الانتصار لوزير النفط السابق أو القيادات النفطية المحسوبة على الحركة، بقدر ما هو نتاج لحراك سياسي طال انتظاره داخل قواعد هذا التيار، وحالة التذمر الواسعة في صفوف شبابها من مواقف الحركة تجاه القضايا الشعبية والسياسية، فالتوقيت المطول لتقديم الاستجواب قد يخدمها، إما في إيجاد تسويات سياسية مجدية، وإما يفتح لها المجال لضم نواب آخرين لتوسعة محاور الاستجواب والخروج من عقدة «الداو» المرفوضة شعبياً، وإضافة محاور أكثر جدية تلامس هموم الوطن والمواطن، وذلك للخروج من مأزق تهمة الانفراد بالتأزيم أو تفسير دوافع الاستجواب بأنها شخصية، خصوصاً في ظل العواقب الثقيلة للاستجواب، بما في ذلك الحل غير الدستوري.كما أن شعبية «حدس» سوف تكون أفضل في حالة حل المجلس على خلفية قضايا شعبية مهمة، والتسويق لها في الانتخابات القادمة، بل أكثر ضماناً في حالة الحل غير الدستوري، لأنها سوف تكون من أوائل من يرفع راية المطالبة بعودة الدستور والانتصار للديمقراطية، لذا فمهما كانت السيناريوهات السياسية القادمة بسبب استجوابها المعلن فإن الحركة الدستورية سوف تضمن بقاءها في نادي الكبار.
مقالات
حدس... ونادي الكبار!
06-02-2009