-1-

Ad

منذ خروج سورية عسكرياً فقط من لبنان عام 2005 بموجب قرار مجلس الأمن، وفرض العزلة الإقليمية والدولية عليها وهي تحاول الفكاك من هذه العزلة بشتى الوسائل، مستعملة الذكاء والدهاء السياسي السوري المعروف، وقد نجحت في ذلك إلى حد بعيد في فك عزلتها الإقليمية والدولية، وكانت المؤتمرات والمهرجانات «القومية» من ضمن الوسائل التي استعملها النظام السوري لفك عزلته، وكان آخرها «المؤتمر العربي الدولي لحق العودة» الذي عقد الشهر الماضي (نوفمبر 2008). وكالعادة انقضى المؤتمر بقرارات «طنّانة رنّانة» لم تغنِ اللاجئ الفلسطيني ولم تفقر إسرائيل، ويا ليتهم أرسلوا تكاليف سفرهم وإقامتهم وثمن ورق وحبر مقرراتهم على شكل مواد غذائية لغزة المحاصرة لكان ذلك أكثر فائدة للقضية، كما قال أحد المعلقين من خارج سورية.

-2-

«المؤتمر العربي الدولي لحق العودة» الذي انعقد في دمشق على مدى يومين، بحضور آلاف الشخصيات (4500 شخصية)، يأتي ضمن فعاليات الذكرى الستين للنكبة الفلسطينية، وبالتزامن مع اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي يوافق التاسع والعشرين من شهر نوفمبر، علاوةً على ذكرى مرور ستين سنة على صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، الذي يضمن حق العودة مع التعويض للاجئين الفلسطينيين، وهو القرار الذي يرفض الجانب الصهيوني تطبيقه أسوةً بعددٍ من القرارات ذات الصلة.

كل هذا كلام جميل ومريح ويشرح الصدور، ولكن أين الآلية لتنفيذ هذا الكلام لاسيما وأنتم تتحدثون عن القرار 194 في حق العودة وقد مضى عليه ستون عاماً، ولم تستجيبوا له أيها العرب الأشاوس؟

صح النوم لكم جميعاً..!

-3-

لقد أصدر المشاركون في هذا المؤتمر بياناً تحت عنوان «إعلان دمشق لحق العودة» (وهذا هو المهم في الموضوع، والغاية السورية من عقد هذا المؤتمر) يشمل التضامن الكامل لحق العودة الفلسطيني، وتعاهداً على المضي في الدفاع عنه، ودعمه في سبيل تحقيقه. وقال البيان من ضمن ما قاله: «إن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى بيوتهم وأراضيهم التي هُجّروا منها وفي التعويض عما لحقهم من أضرار يقع في صلب القضية الفلسطينية وجوهرها، وهو حق راسخ غير قابل للتصرف، أو التنازل عنه، أو المساومة عليه، أو الانتقاص منه. وأن حق العودة هو حق شرعي وطبيعي، فردي وجماعي، تكلفه الأديان والمواثيق والقوانين الدولية».

وتابع البيان: «إن تهجير الشعب الفلسطيني تم على يد القوات الصهيونية عبر مخطط اعتمد أساليب الإرهاب والقتل والمجازر مما يشكل جريمة تطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية وهو ما تتحمل مسؤوليته أيضاً القوى الدولية الني أيدت وتؤيد المشروع الصهيوني وتقدم له كل أشكال الدعم والحماية».

وطالب المؤتمر هيئة الأمم المتحدة بتفعيل حق العودة الفلسطيني دونما إبطاء، وإن استمرار معاناة اللاجئين شهادة إدانة صارخة للنظام الدولي ودليل على طغيانه واحتكامه لقانون الغاب.

فما هو الجديد في هذا المؤتمر الذي انعقدت مثيلات له من المؤتمرات على امتداد ستين عاماً مضت؟

إن البيان الذي صدر بيان رومانسي طفولي، لا واقعية فيه ولا شجاعة سياسية.

إذن، ما هي الواقعية والشجاعة السياسية المطلوبة في مثل هذا المؤتمر؟

-4-

قبل ثلاثة أعوام، وبالتحديد في 26-7-2005 كتبت مقالاً تحت عنوان «كفى ضحكاً على ذقون الفلسطينيين» وأنا اليوم بهذه المناسبة أكرر العنوان نفسه، وأذكر السادة القراء بأن ما كتبته قبل ثلاثة أعوام مازال قائماً إلى الآن.

إن لكره الدينيين والقوميين الفلسطينيين لمحمود عباس أسباباً كثيرة منها أنه لا يمانع إطلاقاً في منح الفلسطينيين المقيمين في الدول العربية جنسيات الدول التي يقيمون فيها، مع الاحتفاظ بحق العودة لمن يشاء أن يعود، عندما تتيسر له العودة، وتُفتح طريقها مستقبلاً (صحيفة «الراية» القطرية، 12-7-2005). فمسألة عودة الفلسطينيين في الشتات والمزروعين في مخيمات منذ ما يزيد على نصف قرن من الزمان، وفي معيشة حقيرة وزرائب أشبه بزرائب الحيوانات في المخيمات، هي مسألة يُلام عليها المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن وإسرائيل والعرب والدول العربية المستضيفة لهؤلاء الفلسطينيين الذين يُقدر عددهم في هذه الدول وفي دول الخليج وفي بقية أنحاء العالم العربي بستة ملايين نسمة، منهم مليونان في الأردن وحدها، وقد (جُنِّس معظمهم)، باعتبار أن المرأة الفلسطينية من أكثر النساء العربيات ولادة وإنجاباً للأطفال، لكي يكونوا وقود حروب الاستنزاف والعلميات الانتحارية التي تقوم بها الأصولية الدينية والقومية الفلسطينية المسلحة.

-5-

لقد أدرك قسم من عقلاء القيادة الفلسطينية استحالة عودة كل فلسطيني الشتات إلى أوطانهم الأصلية، فدعا مستشار ووزير عرفات السابق لشؤون القدس- مثالاً لا حصراً- زياد أبو زياد في عام 2002 إلى التنازل عن حق العودة إلى إسرائيل، كما اقترحت «مجموعة زياد أبو زياد» في «منتدى الشرق الأوسط» التابع لجامعة كاليفورنيا، وشارك فيه إسرائيليون أغلبهم من مركز «يافي للدراسات الإستراتيجية» في جامعة تل أبيب، وإلى جانبهم شخصيات عامة وأكاديمية من فلسطين ومصر والأردن وإيران وأميركا، متجاوزة قرار الأمم المتحدة رقم 194. فقيّدت هذا المبدأ، واقترحت حق العودة من خلال عودة اللاجئين إلى حدود الدولة الفلسطينية الجديدة التي ستقام في الضفة الغربية وقطاع غزة وكل الأماكن التي ستسلمها إسرائيل في إطار معادلة تبادل المناطق. وهي صحوة، وإن جاءت متأخرة ومن صوت أحادي، بعد أن ارتكب العرب آثام الصمت على هذه المشكلة، وبعد أن تفاقمت مشكلة عودة النازحين التي أصبحت ككرة الثلج تكبر يوماً بعد يوم كلما تدحرجت، إلا أنها تصبُّ في التفكير العقلاني والمسلك السياسي الواقعي للقيادة الفلسطينية وبشائر استراتيجية جديدة للفكر السياسي الفلسطيني.

وفي محادثات طابا بين إسرائيل والفلسطينيين بداية عام 2001، جاء القرار المتعلق بتشكيل «لجنة مصالحة ومبادئ» لحل مسألة اللاجئين، ونصَّ على: «أولئك اللاجئين الذين يرغبون في العودة إلى منازلهم والعيش بسلام مع جيرانهم سيسمح لهم ذلك في أقرب وقت ممكن». كما نصَّ على «أولئك الذين لا يرغبون في العودة يستحقون التعويض لقاء أملاكهم، وفقاً لقواعد القانون والعدل الدولية».

-6-

إن العرب يعلمون، والقادة الفلسطينيين يعلمون، وقادة الفصائل الأصولية الدينية والقومية الفلسطينية المسلحة يعلمون، والرأي العام العالمي والمجتمع الدولي ومجلس الأمن والأمم المتحدة واليمين واليسار الإسرائيلي يعلم كذلك، أن عودة هذه الملايين (ستة ملايين الآن في الشتات) إلى إسرائيل والضفة الغربية وغزة، هو من سابع المستحيلات، لأن ذلك يعني القضاء على دولة إسرائيل، وإرباك السلطة الفلسطينية على عشرات السنوات، وانتشار العنف في عموم فلسطين، إضافة إلى انتشار البطالة والفقر نتيجة لقلة فرص العمل.

* كاتب أردني