مسلسل الفساد إلى أين؟
يشير تقرير ديوان المحاسبة لعام 2008 إلى أن حجم التجاوزات والمخالفات في عموم وزارات الدولة والجهات الحكومية قد ارتفع بنسبة 170% خلال سنة واحدة فقط، ويضيف أن هناك وسائل جديدة وطرقا مستحدثة للفساد بأنواعه، خصوصا المالي، وتحديداً في الاستيلاء على الأموال العامة.تقرير ديوان المحاسبة بشأن أداء المؤسسات والهيئات الحكومية لعام 2008 يعكس الواقع الكويتي بشكل دقيق ويعبر عن مدى السخط الشعبي وحالة الإحباط التي تعيشها الغالبية العظمى من المواطنين... ولكن بشكل علمي وموثق هذه المرة.
فالتقرير يشير إلى أن حجم التجاوزات والمخالفات في عموم وزارات الدولة والجهات الحكومية قد ارتفع بنسبة 170% خلال سنة واحدة فقط، ويضيف التقرير أن هناك وسائل جديدة وطرقا مستحدثة للفساد بأنواعه، خصوصا المالي، وتحديداً في الاستيلاء على الأموال العامة، والأخطر من ذلك أن عدوى الفساد بدأت تتفشى في مؤسسات جديدة كانت تتمتع بسجلات أفضل في الماضي. وإذا كانت هذه نتيجة التدقيق الداخلي، وهي تتفق مع مؤشرات «منظمة الشفافية العالمية» التي تؤكد تراجع ترتيب الكويت حاليا وبشكل كبير يدعو للقلق، فكيف تستكثر الحكومة على النواب والكتاب ورواد الدواوين والمنتديات مجرد النقد واستنكار هذه التجاوزات، وتجرؤ وزارة الإعلام على خنق الحرية الصحافية وتسعى وزارة الشؤون إلى رصد تحركات جمعيات النفع العام ومراقبة مراسلاتها وتمارس بقية الجهات والمؤسسات الحكومية الإرهاب الفكري ومحاربة اتحاداتها ونقاباتها الرقابية حتى في أرزاق منتسبيها بل يصل الحال إلى تهديد مجلس الأمة بالحل دائما عند إثارته لمثل هذا الفساد وتلميحات نوابه بمحاسبة المسؤولين عن هذه التجاوزات؟!وفي ظل استمرار مثل هذا التقرير المهني والعلمي لديوان المحاسبة وتشخيص مكامن الفساد وتنوع صوره وابتكار طرق جديدة له، يبدو أننا نسير في اتجاه انهيار الدولة، والأدهى والأمر أن الحكومة ممثلة في وزرائها تقف عاجزة ليس فقط عن التصدي لأنواع الفساد الإداري والمالي بدليل تفاقمه سنة بعد سنة، بل كونها غير قادرة على مواجهة المشاكل العاصفة؛ فوزير التجارة غير قادر على مواجهة غلاء الأسعار، ووزير المالية مع وزير التجارة لا حول ولا قوة لهما في مسرحية انهيار البورصة، ووزير الداخلية لا يستطيع حل مشاكل المرور، ووزيرة الإسكان غارقة في تراكم الطلبات الإسكانية، ووزير الشؤون غير قادر على تطبيق قوانين الرياضة، ووزير النفط غير قادر على تمرير مصفاة الزور بالشفافية والخطوات الإجرائية الكفيلة بخلق روح الثقة والاطمئنان عند الرأي العام، ووزيرة التربية تعمل على تدمير ما تبقى من روح التعليم... إلى آخر القائمة.وهذا الفشل كله يجوز في القاموس السياسي للحكومة ولا يعتبر تهديدا للأمن الوطني أو إلقاء الدولة والمجتمع في رحم المجهول والنفق المظلم، والاستمرار في هذا التخبط اليومي يجب ألا يُحاسب أو يُواجه، أما إثارة أي مشكلة من هذه المشاكل وإعلانها على الملأ وانتقادها والمتسببين فيها تعتبر تأزيما وتخريبا للعلاقة بين السلطتين وتهديدا لمبدأ التعاون ودغدغة لعواطف الناس وسعيا لمكاسب انتخابية!ومع الأسف يدعو بعض الوزراء إلى عدم إثارة مثل هذه القضايا والمشاكل والتجاوزات بشكل علني أو من خلال أسئلة برلمانية أو استجوابات من قبل النواب، وإنما عن طريق الهمس في آذانهم وخلف جدران مغلقة. ورغم جرجرة بعض النواب إلى هذا الأسلوب المهادن، فإن تأثير هذا الهمس لا يتجاوز الأذن الواحدة ولا يتعدى جدار تلك الغرف المغلقة ليستمر طوفان الفساد ليجرف ما تبقى من كرامة لهذا البلد وشعبه المغلوب على أمره فهنيئا للجميع تقرير 2008 وإلى الخلف دائما!