إن إلغاء لجنة البدون والسكوت لن يحل المشكلة، ولن يفيد أحدا، وإن بدأ البعض من أعضاء مجلس الأمة يشعر بالحرج لذلك، ويبحث عن غطاء نيابي لإعادتها، أقول له لا تتعب نفسك، ويمكن مناقشة المشكلة بكل حرية وتوسع من خلال لجنة الظواهر السلبية. سبق أن تحدثت في مقالين سابقين «البدون رؤية إنسانية» عن قضية البدون وأهمية حلها من الجانب الإنساني، واعتقدت عندئذ أنني أديت واجبي ككاتب لا يملك إلا الرأي وعرض الأفكار، أما تحويلها إلى واقع ملموس فهذا بيد أصحاب القرار ولم يكن هناك من جديد أضيفه في هذه القضية الشائكة إلى أن قرر مجلس الأمة في جلسته الإجرائية إلغاء اللجنة المؤقتة للبدون التي تم تشكيلها سابقا، وقد تعجبت كثيرا من القرار. إن تشكيل لجنة لبحث قضية ما يعني وجود مشكلة ينبغي حلها أو طرح تصورات بشأنها، وإلغاء اللجنة يعني أمرا من ثلاثة: إما أن المشكلة تم حلها، وإما أن المشكلة لا حل لها، وهناك يأس كامل من حلها، ومن الأفضل توفير الوقت والجهد المبذولين، والأمر الثالث عدم وجود رغبة في حل المشكلة، وباستبعاد الاحتمال الأخير إيماناً بحسن نية الجميع، وباعتبار أن المشكلة قائمة لم تحل فلا يعني إلغاء اللجنة إلا اليأس الكامل من حلها وتركها للزمن، وهذا هو الخطأ الذي وقع فيه أعضاء مجلس الأمة، فأن ييأس المواطن العادي فهذا أمر مفهوم أما أن ييأس عضو مجلس الأمة المسؤول عن التشريع والمراقبة فهذا أمر غير مقبول ولا مفهوم على الإطلاق.
فقضية البدون لابد لها من حل، ولا يمكن أن تظل هكذا تزداد تعقيدا يوما بعد آخر، وبعيدا عن الحقوق السياسية يجب الحرص على حلها إنسانيا، وإعطاء البدون حقهم في حرية السفر، وحقهم في الحصول على رخص القيادة، وإثبات المواليد ودخول المدارس... إلخ.
كل هذه الحقوق الإنسانية هي حقوق مبدئية لا يمكن إنكارها أو إغفالها، أما باقي الحقوق كحق الانتخاب والترشيح وحق التعيين والسكن... وغيرها، فيمكن مناقشتها فيما بعد واتخاذ القرار المناسب بما لا يضر بمصلحة البلد، وذلك تجنبا للظلم الذي تحرمه جميع الشرائع والأديان السماوية، وكما قال الشاعر:
تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم
وإذا كان الأمر، كما يردد البعض، أن هؤلاء ليسوا «بدون»، وأن لهم جنسيات أخرى يخفونها فما على الحكومة سوى إثبات ذلك وإظهار جنسياتهم الحقيقية، ومن ثم ترحيلهم فورا إلى بلادهم، وسيقف الجميع وراء الحكومة في ذلك، فالغش لا يقبله إنسان، ولا يمكن عن طريقه اكتساب الحقوق، وفي نفس الوقت لا يصح أن يكون ادعاء الحكومة بلا دليل، فالقاعدة القانونية «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر»، فإذا كانت الحكومة تدّعي أن لهؤلاء جنسيات أخرى فلتثبت ذلك ولتتعامل معهم كمخالفين ويتم ترحيلهم، وإن لم تستطع فعليها، وعلى الفور أيضا، أن تمنحهم حقوقهم كاملة.
إن إلغاء لجنة البدون والسكوت لن يحل المشكلة، ولن يفيد أحدا، وإن بدأ البعض من أعضاء مجلس الأمة يشعر بالحرج لذلك، ويبحث عن غطاء نيابي لإعادتها، أقول له لا تتعب نفسك، ويمكن مناقشة المشكلة بكل حرية وتوسع من خلال لجنة الظواهر السلبية، فقضية البدون من كبرى الظواهر السلبية التي يجب حلها ومناقشتها في تلك اللجنة التي يعتبر الإبقاء عليها وإلغاء لجنة البدون من الكوميديا السوداء التي لا تضحك أحداً.