ليس بالضرورة أن تكون ملاءة الأصول وجودتها كافيتين للحصول على دعم الدولة، فمهما كانت درجة الملاءة فإن الشركة تتحمل مسؤولية تبديد السيولة وقصر النظر في التحوط من الأزمات، وما لم ترتبط بها شبكة عملاء واسعة أو عدد كبير من الموظفين الكويتيين فإن من الأصلح أن تترك لمصيرها.

Ad

لاتزال تطورات الأزمة المالية الأميركية تعيد تعريف المفاهيم والمسلمات، وترسي أسساً جديدة لعلاقة الدولة بالاقتصاد... قبل أيام أجبر البيت الأبيض الرئيس التنفيذي لشركة «جنرال موتورز» المصنعة للسيارات على الاستقالة كأحد شروط الحصول على مساعدة الحكومة لتجاوز أزمة نقص السيولة، كما أعطى الشركة مهلة 60 يوماً للإتيان بخطة مقنعة لإعادة هيكلة الشركة لتبرر ضخ أموال دافعي الضرائب فيها.

ومن جانب آخر، أعطيت شركة «كرايزلر» مهلة 30 يوماً للتفاوض مع شركة فيات الإيطالية للاندماج أو الاستحواذ، وأعطى البيت الأبيض إشارات واضحة بأنه مستعد لترك الشركة لمصير الإفلاس في حال لم تتوصل إلى حل مقنع خلال المهلة.

إن خطوات حكومية جريئة كهذه بالتأكيد ستهز اقتصاد ولاية ميشيغان الحاضنة لقطاع السيارات، وسيتضرر معها موزعو السيارات وقطع الغيار والعاملون في القطاع، ولكن يبدو أن لدى البيت الأبيض إيماناً بأن مساعدة القطاع دون إعادة هيكلته ليست سوى تأجيل للمشكلة، خصوصا أن الشركات الأميركية متخلفة عن نظرائها في أوروبا وآسيا من حيث الاقتصاد في صرف الوقود والتكنولوجيا وتكاليف التصنيع والتوزيع.

أتابع تلك التطورات بشغف، وأتساءل كيف سيتم التعامل مع الأزمة المالية في الكويت بعد أن أصبح قانون الاستقرار المالي نافذاً في عهدة البنك المركزي؟ لقد حدد محافظ البنك الشيخ سالم الصباح معايير الملاءة وجودة الأصول التي ستعتمد في تحديد الشركات المستحقة للمساعدة، ورغم بعض التحفظات لديّ على القانون، فإن لدي ثقة كافية بفريق المحافظ لتطبيق تلك المعايير بمهنية وشفافية، ولكن ما أتمناه هو أن تشمل المعايير معيارين آخرين مهمين:

الأول، هو ما الإضافة التي تقدمها الشركة للاقتصاد الوطني من حيث توفير فرص العمل للشباب الكويتي؟ وبالتحديد التزام الشركة بنسبة العمالة الوطنية المفروضة عليها.

والمعيار الآخر، هو أن يكون تدخل الدولة هو آخر دواء بعد استنفاد الخيارات الأخرى كالاندماج والاستحواذ، أو إعادة الهيكلة المالية والإدارية، فلا يجب أن يترك المال العام في أيدي مسؤولي الشركات الذين أوصلوها إلى حافة السقوط.

ليس بالضرورة أن تكون ملاءة الأصول وجودتها كافيتين للحصول على دعم الدولة، فمهما كانت درجة الملاءة فإن الشركة تتحمل مسؤولية تبديد السيولة وقصر النظر في التحوط من الأزمات، وما لم ترتبط بها شبكة عملاء واسعة أو عدد كبير من الموظفين الكويتيين بحيث يؤدي سقوطها إلى ضرر اقتصادي كلي، فإن من الأصلح أن تترك لمصيرها طبقاً لقوى السوق الطبيعية.

لقد عبر البنك المركزي في أكثر من مناسبة عن ميله إلى تحرير الاقتصاد وتحقيق اقتصاد السوق، وأتمنى أن يضع ذلك نصب عينه في التعامل مع الأزمة، فالحكومة عبر جهاتها المختلفة متغلغلة بعمق في الاقتصاد عبر ملكياتها في كثير من الشركات، وآخر ما نحتاجه الآن هو مزيد من التأميم غير المباشر ومزيد من هيمنة عقلية البيروقراطية الحكومية على الاقتصاد.

 

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء