يمتد التطرف يمينا ويساراً لأي فكر/شخص يؤمن إيماناً مطلقاً بأنه على حق وغيره على باطل تام، كما أن التطرف والإرهاب ليسا مترادفين، ففي كثير من الأحيان يؤدي التطرف إلى الإرهاب الفكري والمادي، ولكن في حالات خاصة يؤدي فقط إلى الانعزال السلبي من المجتمع.

Ad

في الجزء الأول من هذه المقالة تطرقت إلى تعاريف مختلفة للتطرف تشترك باعتقاد «المتطرف» بامتلاكه الحقيقة كاملة وأن غيره على خطأ، وهذا الاعتقاد غير منطقي لأنه لا يوجد حقيقة مطلقة كما لا يوجد شر مطلق، فبالتطرف ينعزل الشخص عن الآخر ولا يتقبله مما يجعله يخسر الكثير مما يمكن للآخرين «المختلفين» أن يقدموه.

والتطرف لا يقتصر على التطرف الديني، بل يمتد يمينا ويساراً لأي فكر/شخص يؤمن إيماناً مطلقاً بأنه على حق وغيره على باطل تام، كما أن التطرف والإرهاب ليسا مترادفين، ففي كثير من الأحيان يؤدي التطرف إلى الإرهاب الفكري والمادي، ولكن في حالات خاصة يؤدي فقط إلى الانعزال السلبي من المجتمع كبعض الجماعات الدينية في الولايات المتحدة.

وللتطرف أسباب موضوعية كثيرة تطرقنا إليها بإيجاز في الجزء الأول من المقال، ولكن في كل الحالات تعود الأسباب الذاتية إلى الخوف، سواء كان الخوف من الآخر أو الخوف من النفس في حال ضعف الثقة بالنفس أو بالفكر، فالخوف من استبداد المتأسلمين قد يجعل بعض «الليبراليين» متطرفين في تفاعلهم إلى حد إنكارهم الحقوق الرئيسة لأولئك، والتي تشكل صلب الفكر الليبرالي كحق التعبير والنشر. بالمقابل فإن الضعف الثقافي والفكري للكثير من مدعي «الإسلام» يجعلهم يتطرفون مع «المختلف» بالدين أو المذهب أو الفكر لما يشكله من تهديد لبنيتهم الفكرية والشخصية الهشة، والأمثلة على ذلك كثيرة على الصعد السياسية والثقافية والاجتماعية، فبمجرد ما يتطور النقاش يعلو الصوت وترتفع دعوات إقصاء الآخر.

على سبيل المثال لا الحصر، في كل بقاع العالم المتحضر هنالك المتدينون بمذاهب متعددة واللادينيون والملحدون، ولا بد من دخولهم في نقاشات ساخنة لتناقض معتقداتهم إلا أنها نادرا ما تصل إلى السب والشتم والدخول في القضايا الشخصية أو دعوات الإقصاء والاستخفاف بكل ما يشكله الآخر، مثلما يحدث في العالم الثالث. لماذا؟ طبعا هنالك فارق التعليم والثقافة، ولكن الأهم هو النظام السياسي الذي ضمن لكل طرف وجوده وحرياته الأساسية. لذا يزول الخوف من المعادلة ويتحول النقاش إلى حوار حضاري قائم على الاحترام والتسامح.

وضعف أو ضياع الهوية الشخصية أو الوطنية من أهم دواعي الخوف/التطرف خصوصا في وقتنا هذا، ونرى معالم ذلك حتى في أوروبا والولايات المتحدة (بفارق الدرجة والشكل).

فالعولمة وثورة وسائل الاتصال وتحول العالم إلى «قرية صغيرة» بات يشكل تهديدا للجماعات التي حددت هويتها بعاداتها وتقاليدها الوطنية أو العرقية. لذا نرى عودة المسيحية بشكلها الأصولي في الولايات المتحدة وإعادة إحياء الأفكار النازية في أوروبا، ولكن النظام السياسي مدعما بالسياسات التعليمية والثقافة الاجتماعية منع تلك الظواهر من الاستشراء مثلما يحدث في عالمنا الثالث.

إن الرغبة بالأمان من أهم الاحتياجات/الدوافع الإنسانية، فمجرد الاعتقاد بالتهديد/الخطر يجعل الإنسان يكشر عن أنيابه بشكل غريزي ليحمي بقاءه وإن كان على حساب الآخر. والحضارة القادرة على تيسير سبل الأمان الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للفرد هي القادرة على خلق قيم الحرية والتعددية والتسامح. فمتى نصل إلى ذلك؟