الطريق إلى نزع السلاح النووي

نشر في 21-11-2008
آخر تحديث 21-11-2008 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت إن أسلحة الدمار الشامل تشكل واحداً من أخطر التحديات التي تواجه العالم اليوم. ومن بين أهم أولوياتي بصفتي أميناً عاماً للأمم المتحدة أن أعزز المصلحة العامة العالمي وسبل علاج التحديات التي لا تقيم وزناً للحدود ولا تحترمها. ولا شك أن خلو العالم من الأسلحة النووية يشكل مصلحة عامة عالمياً لا يفوقها في الأهمية شيء. ينبع اهتمامي بهذا الموضوع جزئياً من خبرة شخصية. فقد عانت بلادي، كوريا الجنوبية، ويلات الحرب التقليدية وواجهت تهديدات الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل. ولكن من المؤكد أن مثل هذه التهديدات لا تتفرد بها آسيا. فرغم أن استخدام الأسلحة النووية كان من المحرمات منذ أمد بعيد، فإن نزع هذا النوع من الأسلحة مازال مجرد طموح. هل نكتفي إذن بمجرد تحريم استخدام مثل هذه الأسلحة؟ إن الدول هي التي تتخذ القرارات الرئيسية حين يتعلق الأمر بالأسلحة النووية. ولكن يتعين على الأمم المتحدة أن تلعب دوراً على قدر عظيم من الأهمية في هذا السياق. إذ إننا نشكل منتدى مركزياً حيث يتسنى للدول أن تتفق على المعايير التي تخدم مصالحها المشتركة. ونحن نحلل ونثقف ونعاون في سبيل تحقيق أهداف متفق عليها. لقد اختار أغلب الدول الامتناع عن حيازة الأسلحة النووية، وامتثل لالتزاماتها بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. ورغم ذلك فإن بعض الدول ينظر إلى هذه الأسلحة باعتبارها رمزاً لمكانته بين الدول، وينظر بعض الدول الأخرى إليها باعتبارها وسيلة لتوفير الردع المطلق ضد أي هجوم نووي، وهو ما يفسر إلى حد كبير وجود ما يقرب من 26 ألف سلاح نووي حتى يومنا هذا. مما يدعو إلى الأسف أن مبدأ الردع النووي ينتقل بالعدوى، الأمر الذي يجعل مهمة منع الانتشار أكثر صعوبة وتعقيداً ويزيد من خطورة احتمالات استخدام الأسلحة النووية بالفعل. ويظل العالم مهموماً إزاء الأنشطة النووية الجارية في كوريا الشمالية وإيران، وهناك دعم واسع النطاق للجهود الرامية إلى معالجة هذه المخاوف بالسبل السلمية. وهناك أيضاً من يخشى أن يكون «عصر النهضة النووي» قد أصبح قاب قوسين أو أدنى، إذ ينظر العديد من الناس إلى الطاقة النووية باعتبارها بديلاً نظيفاً للطاقة في الوقت الذي يشهد تكثيفاً للجهود الرامية إلى مكافحة تغير المناخ. ومكمن الخوف الأول هنا أن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى إنتاج واستخدام المزيد من المواد النووية، الأمر الذي يتطلب حماية هذه المواد ضد الانتشار والتهديدات الإرهابية. إن العقبات الماثلة أمام نزع الأسلحة النووية هائلة. ولكن يبدو أن التكاليف والمخاطر المترتبة على التقاعس عن نزع السلاح لا تحظى بالقدر الذي تستحقه من الاهتمام. ويكفي أن نتخيل التكاليف المذهلة المترتبة على الميزانيات العسكرية الهائلة. وطبقاً لمعهد «ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام» فإن الإنفاق العسكري العالمي أثناء العام الماضي تجاوز 1.3 تريليون دولار. ومنذ عشرة أعوام نشر معهد «بروكينغز» دراسة قدَّرَت التكاليف الإجمالية للأسلحة النووية في الولايات المتحدة فقط بما يزيد على 5.8 تريليونات دولار، بما في ذلك التكاليف اللاحقة المترتبة على تنظيف التلوث النووي. وهذا بلا شك يشكل استثماراً هائلاً كان من الممكن أن يكرس للعديد من الاستخدامات البنَّاءة. إن المخاوف المرتبطة بتكاليف الأسلحة النووية والمخاطر المترتبة على مجرد وجود مثل هذه الأسلحة كان سبباً في تعالي الأصوات الداعية إلى إعادة الحياة إلى جهود نزع الأسلحة النووية وظهور وفرة من الأفكار فيما يتصل بكيفية تحقيق هذه الغاية. فرأينا لجنة أسلحة الدمار الشامل تحت قيادة هانز بليكس، وتحالف الأجندة الجديدة، ومبادرة الدول السبع في النرويج. كما أسست أستراليا واليابان اللجنة الدولية لمنع الانتشار ونزع السلاح. وتقدمت أيضاً جمعيات المجتمع المدني والدول المسلحة نووياً بالعديد من المقترحات، مثل خطة هووفر التي يتزعمها هنري كسينجر.

وأود هنا أن أطرح اقتراحي المؤلف من خمس نقاط:

أولاً، أحث الأطراف الموقعة على معاهدة منع الانتشار، خصوصا الدول المسلحة نووياً، على الوفاء بالتزامتها بموجب المعاهدة، وذلك بإجراء المفاوضات اللازمة لاتخاذ التدابير الفعّالة القادرة على نزع الأسلحة النووية. ومن الممكن أن تتفق هذه الدول على إطار عمل يشتمل على آليات تنفيذ مشتركة، أو ربما تفكر في التفاوض من أجل إقرار معاهدة جديدة خاصة بالأسلحة النووية، مدعومة بنظام تفتيش قوي، كما اقتُرِح منذ مدة طويلة في الأمم المتحدة. ولقد قمت بتوزيع مسوَّدة لمثل هذه المعاهدة على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة كافة، وهو ما يشكل نقطة انطلاق معقولة. يتعين على القوى النووية أن تشارك بفعالية مع الدول الأخرى في معالجة هذه القضية في إطار مؤتمر نزع السلاح في جنيف، والذي يشكل المنتدى العالمي التعددي الوحيد لمناقشة نزع الأسلحة النووية. ولسوف يرحب العالم أيضاً باستئناف المفاوضات الثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا فيما يتصل بتقليص ترسانتيهما من الأسلحة النووية على نحو حقيقي ملموس ويمكن إثباته. يتعين على الحكومات أيضاً أن تستثمر المزيد في الأبحاث وسبل تنمية أساليب التحقق والتفتيش. وكان اقتراح المملكة المتحدة باستضافة مؤتمر تنظمه الدول المسلحة نوويا للاتفاق على كل ما يتصل بسبل التحقق والتفتيش بمنزلة خطوة ثابتة في الاتجاه الصحيح.

ثانياً، يتعين على الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن تبدأ في إدارة المناقشات الخاصة بالقضايا الأمنية المرتبطة بعملية نزع الأسلحة النووية. كما يتعين على الدول غير الموقعة على معاهدة منع الانتشار أن تجمد قدراتها الخاصة بتصنيع الأسلحة النووية وأن تتعهد بالتزامات خاصة من جانبها فيما يتصل بنزع الأسلحة.

ثالثاً، لابد من تجميد الاختبارات النووية وعمليات إنتاج المواد الانشطارية. ونحن في حاجة إلى بذل جهود جديدة لفرض المعاهدة الشاملة لحظر الاختبارات النووية، ولدفع مؤتمر نزع الأسلحة إلى البدء في المفاوضات الخاصة بمعاهدة المواد الانشطارية على الفور، ودون شروط مسبقة.

إني أعلن تأييدي لإنشاء منطقة خالية من الأنشطة المتعلقة بتصنيع الأسلحة النووية في وسط آسيا وإفريقيا، وأدعم بكل قوة الجهود الرامية إلى إنشاء مثل هذه المنطقة في الشرق الأوسط، وأحث البلدان الموقعة على معاهدة منع الانتشار كافة على إتمام اتفاقياتها الثنائية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتبني سبل الوقاية المعززة بموجب البروتوكول الإضافي.

رابعاً، كثيراً ما توزع الدول المسلحة نووياً تفاصيل الجهود التي تقوم بها لملاحقة هذه الأهداف. بيد أن هذه التفاصيل نادراً ما تصل إلى عامة الناس. وأنا أدعو الدول المسلحة نووياً إلى إرسال مثل هذه المواد والمعلومات إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة وتشجيع نشرها على نطاق واسع. إن الافتقار إلى أي تقدير جدير بالثقة للعدد الإجمالي للأسلحة النووية التي يحتوي عليها العالم ليشهد على حاجتنا الشديدة إلى قدر أعظم من الشفافية.

وأخيراً، يتطلب الأمر اتخاذ عدد من التدابير التكميلية التي تتضمن إزالة كافة الأشكال الأخرى من أسلحة الدمار الشامل؛ وبذل جهود جديدة لمكافحة الجماعات الإرهابية التي تستخدم أو قد تستخدم أسلحة الدمار الشامل؛ والحد من إنتاج وتجارة الأسلحة التقليدية؛ وحظر إنتاج أي أسلحة جديدة، بما في ذلك الصواريخ وأسلحة الفضاء. إذا كانت جهود نزع الأسلحة صادقة ومحققة فإن القدرة على القضاء على التهديد النووي سوف تتنامى إلى حد كبير. ومع نجاحنا التدريجي في تطهير العالم من أشد الأسلحة فتكاً فإن هذا من شأنه أن يجعل من تنفيذ الهجمات الإرهابية باستخدام أسلحة الدمار الشامل أمراً أكثر صعوبة.

إن هذه المقترحات تمهد الطريق أمام بداية جديدة، ليس فقط فيما يتصل بنزع الأسلحة، بل وأيضاً في تعزيز ومؤازرة السلام والأمن الدوليين.

* بان كي مون | Ban Ki-moon ، أمين عام الأمم المتحدة منذ 1 يناير 2007 ووزير خارجية كوريا الجنوبية سابق.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top