حتى أنت يا بروتوس!!

نشر في 03-07-2008 | 00:00
آخر تحديث 03-07-2008 | 00:00
 أ.د. غانم النجار

بات لزاماً على الحكومة والمجلس أن يبادرا إلى التعامل بجدية مع التباينات التي حدثت في الانتخابات الأخيرة حفاظاً على مصداقيتها من خلال إجراءين فوريين كحد أدنى: الأول، يتمثل في التحقيق في ما حدث ونشر نتائج التحقيق على الملأ، ومن ثم إصدار القرارات اللازمة لعدم تكرار ما حدث، أما الإجراء الثاني، فيتمثل في الإسراع بإنشاء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، على غرار ديوان المحاسبة، وهو نموذج مطبق في العديد من الدول الديمقراطية.

وبروتوس المقصود هنا ليس «ماركوس بروتوس» الذي تآمر على يوليوس قيصر في تراجيديا وليم شكسبير الشهيرة وأصبح مثلاً بين الناس على الخذلان غير المتوقع، فبروتوس المعني هنا هو الانتخابات التي مازالت، كما يبدو، حبلى بالمزيد من المفاجآت.

فها هي نتائج «تجميع» الداخلية تتباين مع النتائج الرسمية التي تم إعلانها في 18 مايو، وهو تباين ركيك، وهزيل، مهما كانت الأسباب والدعاوى، فقد كنا نظن أن انتخاباتنا «على الأقل» وكحد أدنى تتسم بقدر من الشفافية، كما تتمتع بإشراف قضائي، ومهنية عالية، وخبرة متراكمة نستطيع أن نركن إليها ونعتمد على نتائجها، ولكن تباين النتائج جعل ما كنا نظنه «مارك أنطونيو» قد تحول من دون سابق إنذار إلى «بروتوس»، فكيف بالإمكان تفسير التغير الكبير في النتائج سواء على مستوى المراكز إذا أعيدت آلاف الأصوات لبعض مَن خسروها، وفقد بعضهم مراكز متقدمة، وخسر بعضهم مقعده، وكسب بعضهم مقاعد كانوا قد خسروها؟!

وبغض النظر عن الحكم النهائي الذي ستحكم به المحكمة الدستورية، وفي أي اتجاه اتجه ذلك الحكم، فإن هذه الكارثة قد فتحت جرحاً عميقا في صدقية الانتخابات برمتها، وهو الأمر الذي كنا قد ارتحنا اليه، واستقرت عليه الآراء منذ زمن.

وقد يصح القول، إنه قد سبق للحكومة العبث في انتخابات سابقة، كما حدث في تزوير انتخابات عام 1967، أو كما حدث في انتخابات عام 1981، حين جرى تفتيت الدوائر الانتخابية من عشر إلى 25 دائرة، ولكن انتخابات هذه السنة قد تداخلت فيها الأشياء بصورة غير مسبوقة، والطعون التي قدمت زادت على الثلاثين طعناً في الدوائر كافة، ومن ضمنها طعون مَن فاز بالانتخابات.

وهكذا، فإنه بات لزاماً على الحكومة والمجلس أن يبادرا إلى التعامل بجدية مع هذه الظواهر حفاظاً على مصداقية الانتخابات من خلال إجراءين فوريين كحد أدنى: الأول، يتمثل في التحقيق في ما حدث ونشر نتائج التحقيق على الملأ، ومن ثم إصدار القرارات اللازمة لعدم تكرار ما حدث. أما الإجراء الثاني، فيتمثل في الإسراع بإنشاء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، على غرار ديوان المحاسبة، وهو نموذج مطبق في العديد من الدول الديمقراطية، وإذ إنني كنت قد طالبت بإنشاء مثل تلك الهيئة منذ ما يزيد على سنة، فمازلت على استعداد لتزويد مَن يهمه الأمر من المجلس أو الحكومة بمشروع قانون متكامل لتحقيق هذا الغرض.

وأما إن تم التعامل مع هذه «السقطة» الديمقراطية فقط من خلال حكم المحكمة الدستورية، أياً كان اتجاهه، وعدم إجراء إصلاحات جذرية على العملية الانتخابية، فإن ذلك سيصب بالتأكيد في مسلسل «تفكيك الديمقراطية».

كنا نظن ان التدهور الحاد الذي تعانيه البلاد لم يصب العملية الانتخابية، فكم كان ذلك الظن بعيداً عن الحقيقة، وكم كان ذلك الظن إثماً... ولا حول ولا قوة إلا بالله.

back to top