عقدة رئاسة الأمة ... وتجدد الأزمة

نشر في 15-04-2009
آخر تحديث 15-04-2009 | 00:00
 عبدالمحسن جمعة مع انطلاق الحملة الانتخابية الجديدة رسمياً إثر صدور مرسوم الدعوة للاقتراع العام، لتشكيل مجلس الأمة الثالث العشر، يتداول الكويتيون على نحو مسبق ومكثف مصير المجلس المقبل والأزمة السياسية المستمرة منذ ما يقارب عقدا من الزمان، وتتنبأ الأغلبية، وفقا لما تشهده الساحة من أداء وممارسات سياسية، أن المقبل سياسياً ونيابياً لن يكون أفضل من السابق، فهناك ظواهر عديدة تؤكد أن العُقد والصراعات الأساسية بين مراكز النفوذ لم تهدأ حدتها، كما أن المتنافسين الكبار على المواقع لم يغيروا نهجهم أو يتراجعوا عن غاياتهم أو يخفضوا من سقف طموحاتهم.

ومن العُقد الرئيسة التي تعطَّل سبل حل الأزمة السياسية موقع رئاسة مجلس الأمة الذي انخرط منذ بداية الألفية الحالية بشكل كبير في الصراعات الجارية في البلد، بداية من إرهاصات تشكيل حكومة التفويض ومروراً بآلية تشكيل وتسمية الحكومة الجديدة بعد نقل مسند الإمارة، وطبيعة علاقتها الملتبسة مع رئيس الحكومة حتى استقالته الأخيرة، فضلاً عن ظروف وملابسات انتخاب رئيس مجلس الأمة وما يحيطها من أحداث خلف الكواليس وتفاصيل في السنوات الأخيرة.

ولنكن أكثر صراحة، فإن هناك مَن يرى أن رئاسة مجلس الأمة السابقة أصبحت عنواناً لتحالف السلطة مع سطوة المال التي تشكل الأمر الواقع الذي يرى البعض ضرورة مقاومته حتى لو كان ذلك على حساب تعطيل البلد، وهو العنوان الحقيقي لممارسات المعارضة المؤثرة فعلياً والأكثر جرأة ومصداقية، والذي يدفع بقية التيارات السياسية للتماهي مع سقفها العالي في الأداء الهجومي الذي يستميل الجمهور الكويتي، ومهما تخفت (المعارضة) تحت عباءة قضايا المال العام أو نقد الأداء الحكومي المتردي ومواجهته، أو استجواب وزير هنا أو هناك، أو وقف مشروع، فالغاية الحقيقية منه إبراز القدرة على التعطيل والإزعاج مادام هذا التحالف (السلطة- سطوة المال) قائماً ومستمراً، وجعل الحكومة تدفع ثمن فرضها، وبسلطة الإذعان، لاسم صاحب الموقع الثاني في البلد دستورياً دون توافق شعبي عليه ولو بالحد الأدنى.

ولذلك، فإن استمرار نفس الاسم والواجهة السابقة لمجلس الأمة المقبل، لن يردع أحداً عن استمراره بنفس أسلوب المواجهة والتصعيد، كما أن المراهنة على سقوط رئيس كتلة العمل الشعبي أحمد السعدون في الانتخابات هي مراهنة ساذجة رغم أن هذا الاحتمال قد يكون صعب المنال، ولأن هناك من البدلاء الكثيرين الذين سيكملون النهج نفسه.

والمفارقة العجيبة أن الطرفين اللذين يتضادان في الأهداف سيتفقان على الوسيلة، وسيكون الشارع مطلبهما؛ فالطرف الأول الذي ينادي بحماية الدستور والديمقراطية سيسعى للتصعيد والحل غير الدستوري لمواجهة السلطة وكسر التحالف القائم بينها وبين مَن يمثل قمة سطوة المال، بواسطة الجماهير وفي الشارع، كما أن الطرف الثاني الذي يسعى إلى تغييب الحياة الدستورية النيابية سيستمد من سخط الناس وتذمرهم في الشارع أيضاً سنداً لتحقيق مساعيه تلك.

لذا، فإن بوادر تجديد هذا التحالف أخيراً، وتسريب المعلومات حول استخدام نفس الوسائل السابقة من نفوذ ومغريات لاستمرار رئاسة مجلس الأمة بنفس الاسم أو التوجه، يعدان تحدياً يؤكد أن النوايا حيال الحكومة المقبلة سيغلب عليها نهج التصعيد والمواجهة التي سيكون مؤداها التضحية بالحياة الدستورية ومضاعفات خطيرة ستنتج عنها، وهو ما يؤكد أن طرفاً سينجح في تحقيق أجندته بوأد الديمقراطية الكويتية.

وفي ظل استمرار نفس الظروف السابقة، لن تتراجع حدة التصعيد وفورته التي تصل حتى الهيجان السياسي، لأن الأغلبية تعتقد أن أسلوب اختيار رئاسة مجلس الأمة وفقا لقوة تحالف السلطة والمال وبأسلوب الإجبار والأمر الواقع رغماً عن أنوف العامة، هي تحدٍ جدي لمكتسباتها الدستورية والإرادة الشعبية التي ترى فيها مبررا يعطيها الحق في المقاومة السياسية بكل الوسائل المتاحة له، وأهمها إزعاج السلطة عبر عدم ترك الحكومة في وضع مستقر وهادئ.

لذلك فإن طريقة التعامل مع عقدة الرئاسة المقبلة للمؤسسة التشريعية ستحدد بوصلة اتجاه الأزمة السياسية في البلد، إما نحو الحل والتهدئة وإما نحو مزيد من المواجهة والتصعيد الذي ستدفع الكويت ثمناً غالياً له.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top