Ad

نعاني هذه الأيام ما عانته أوروبا في القرون الوسطى حين سيطرت الكنيسة والسلطة الكهنوتية الاستبدادية على فكرها ومؤسساتها، فلم تكن هناك ثقافة غير ثقافة التعصب والعداوة القاتلة، وأتى عصر النهضة التنويري الذي غير تاريخ أوروبا الظلامي ليحل محله عصر الحداثة.

تؤكد نتائج الانتخابات البرلمانية في الكويت بما لا يدع مجالا للشك سيطرة المد الأصولي والقبلي في الكويت. هذا المد الظلامي هو صنيعة مؤسساتنا الاجتماعية والقرارات المصيرية التي كانت بيد النخبة، والتي سيرت المجتمع ووجهت حياته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والدينية كذلك. يجب ألا نتردد في الاعتراف بفساد مؤسساتنا، وفسادها يتجسد في الأزمة الثقافية والأخلاقية والإنسانية التي تمر بها الكويت، والتي تأسست عبر سنوات من الممارسات السياسية والعلاقات الاجتماعية والتقاليد الثقافية. فإذا فسدت المؤسسات فسد المجتمع، والمفارقة المضحكة المبكية هي الفوز الكاسح لأعداء الديمقراطية من خلال القنوات الديمقراطية نفسها، الانتماءات الأصولية لا تؤمن بالديمقراطية، فهدف هذه التيارات المسيّسة هو تحويل الدولة المدنية إلى دولة دينية، وكل أدبياتهم وكتبهم تؤكد ذلك.

يريد هؤلاء كما يزعمون تطبيق شريعة الحق «وهو قول حق» في نظرهم، متجاهلين أنهم يحيدون عن الفهم ليطلبوا من كل الناس طاعة أمرهم، واتباعهم وحدهم، وقبول تفسير فقهائهم دون تفسير آخر «وهو ما يراد به باطل»، لأنه يجعل من الناس بالفعل والواقع عبيداً لغير الله.

التطبيق الفعلي لهذه الفكرة دخلت إلى الفكر السياسي الإسلامي بداية من خلال شعارات الخوارج، ثم تبنّاها الآخرون من بعدهم لتصبح جزءاً لا يتجزأ من الفكر الإسلامي، فاستخدموها لتعزيز سلطة الحكم، وقد أوعزوا لوعاظهم من أجل استخدامها لتبرير مظالمهم ولتخدير عقول الناس واستعبادهم، وقد أفصح صراحة أبو جعفر المنصور في العصر العباسي «أيها الناس أصبحنا لكم قادة وعنكم ذادة، نحكمكم بحق الله الذي أولانا وسلطانه الذي أعطانا، وأنا خليفة الله في أرضه وحارسه على ماله»، فمنذ أن دخل هذا الفكر استخدمه الحكام لتبرير كل أخطائهم تحت حجة أنهم يحكمون باسم الله، حتى أصبحت كل فئة تدعي لنفسها احتكار الحق وتزعم بأنها وحدها في طريق الإيمان.

واتخذت هذه التيارات من الديمقراطية وسيلة لهدم قيمها ومعانيها ولإفراغ الدستور من محتواه، لتصبح ديمقراطية مظهرية سطحية، فالدولة الديمقراطية هي ليست انتخابات فحسب، بل هي التي تعمل على تكريس مبادئ التعددية والمواطنة وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات، والتي تسعى إلى توسيع الحريات العامة وحرية الفرد لا إلى تضييقها.

في الواقع، لم تعد هناك ديمقراطية، إنما مجتمع تحكمه نصوص مقدسة يختلف في تفسيرها أصحاب العقيدة الدينية الواحدة، ومن المستحيل تحقيق التفاهم والتوافق بينهم لأن الاختلاف هو جوهر الفكر الديني.

نعاني هذه الايام ما عانته أوروبا في القرون الوسطى حين سيطرت الكنيسة والسلطة الكهنوتية الاستبدادية على فكرها ومؤسساتها، فلم تكن هناك ثقافة غير ثقافة التعصب والعداوة القاتلة، وأتى عصر النهضة التنويري الذي غير تاريخ أوروبا الظلامي ليحل محله عصر الحداثة والصناعة والفكر والفن والإدارة الفردية وحقوق الإنسان... وحرية الأديان.

متى ينبثق فجر عصر النهضة لدينا؟.. فقد أصبحت «أنفض منه اليدا».