إن نشاط التيار الديني المحموم لتنفيذ أجندته للمجتمع الكويتي هو نشاط عشوائي بكلفة اجتماعية عالية، تدفع الكويت ثمنا باهظاً لها وتتضح آثارها السلبية مع مرور الوقت، لأن تطبيقها في مجتمع بدائي مثل أفغانستان سابقا يختلف بشكل جذري عن الكويت ومواقع أخرى في العالم، ولا يمكن أن يكون منع الرجال من بيع ملابس نسائية ذا قيمة إيجابية على المجتمع.
منذ تغلغله في الحياة السياسية والسلطة وتمكنه منهما، لم يتوقف التيار الأصولي في الكويت عن محاولاته المستميتة الرامية لتغيير هوية المجتمع الكويتي المنفتح، وصبغه بطابع منغلق، معتقدا أنه سيعكس بذلك الهوية الإسلامية الحقة. وقد نجح في ذلك في كثير من الأحيان عبر إقرار قوانين وإصدار قرارات وزارية تعاونه على تحقيق هدفه. وبالطبع كان لذلك كلفة كبيرة في مناحي الحياة المختلفة، فجامعة الكويت، على سبيل المثال لا الحصر، تئن من الشُّعَب المغلقة وعدم كفاية الهيئة التدريسية بسبب منع الاختلاط، وقضايا المخدرات والشغب والعنف الشبابي تتفاقم بسبب غياب اللهو البريء والأنشطة الترفيهية التي تفرِّغ طاقات الشباب، والريادة الثقافية والفنية الكويتية تتسرب من بين أيدينا إلى مواقع مختلفة في المنطقة بعد أن طوَّق التيار الأصولي البلد بالضوابط والمحظورات التي أذعن لها أصحاب القرار توخيا للسلامة وحفاظاً على مواقعهم. وآخر «فرمانات» التيار الديني التي صدرت بناء على اقتراحات نيابية كانت في العام الماضي، هو منع الرجال من البيع أو العمل في المحال النسائية وأقسام النساء في الوكالات التجارية، وبصفة خاصة أقسام الملابس الداخلية النسائية و منع عرض «الشلحات» في واجهات المحال التجارية! أحد المسؤولين عن إحدى تلك الوكالات قال لي بعد صدور هذا القرار: «إن وزارة التجارة طبقت القرار، ولكنها حتى الآن تراعي ظروفنا ولا تتشدد معنا لنتمكن من جلب عمالة نسائية من داخل البلد أو خارجه... ولاسيما أنه أمر مكلف لأن العمالة النسائية مرهقة من ناحية السكن والمشكلات المرافقة لها، كونها تأتي من مجتمعات مختلفة من الناحية الثقافية والعادات... وسنحتاج إلى أعداد كبيرة منهن لتغطية كل فروعنا في البلاد لو استمر تطبيق ذلك القرار...». الكلام واضح، فعملية استبدال العمالة الرجالية في كل المحال والمجمعات من الجهراء إلى الأحمدي، ومن مجمع سوق شرق إلى مجمع النقرة الجنوبي، تنفيذا للقرار «الطالباني» الجديد، ستحتاج إلى آلاف السيدات من شرق آسيا ومواقع أخرى، وهن من العازبات اللائي لا يقدرن على إلحاق عائل بهن، وسيأتين بثقافتهن واحتياجاتهن الغرائزية التي تعودن على تلبيتها وفقاً لثقافتهن وعادات مجتمعاتهن. بيد أن قوانين البلد يمكن لها أن تنظم مثل تلك التباينات، ولكنها ليس بصفة شاملة ومحكمة، ولابد أن يشذ بعضهن لنجد تكدساً في مراكز الإبعاد الحكومية من تلك العمالة، ومزيداً من اللقطاء في الشوارع عند الفجر بين حاويات البلدية وأبواب المساجد، وهي ظاهرة متفاقمة في البلاد حالياً. ولذلك فإن نشاط التيار الديني المحموم لتنفيذ أجندته للمجتمع الكويتي هو نشاط عشوائي بكلفة اجتماعية عالية، تدفع الكويت ثمنا باهظاً لها وتتضح آثارها السلبية مع مرور الوقت، لأن تطبيقها في مجتمع بدائي مثل أفغانستان سابقا يختلف بشكل جذري عن الكويت ومواقع أخرى في العالم، ولا يمكن أن يكون منع الرجال من بيع ملابس نسائية ذا قيمة إيجابية على المجتمع بل سينطوي على كلفة اجتماعية واقتصادية وأمنية كبيرة على البلد. لن يغير هذا المنع شيئاً في طبيعة الكويتيين ونسائهم لأن جداتنا وأمهاتنا منذ عقود كنّ يتعاملن مع البائعين في «المباركية» و«قيصرية الرجعان» و«سوق سنان» و«الدبوس» دون أن يخل ذلك بسمعتهن أو أخلاقهن، أو يثير غيرة «الفحل» الكويتي الواثق من نفسه ومن تربية المرأة الكويتية المنفتحة وسلوكها الموثوق به عند أبناء ذلك الجيل الأصيل، وهو ما يجب أن يتحلى به أبناء ما يطلق عليهم حاليا «جيل الصحوة» الذي أعاد البلاد إلى مبادئ الإسلام الحقيقية كما يدَّعون، فيجب أن يكونوا أكثر ثقة ببناتهم اللاتي تشبعن بمناهج الصحوة في المدارس وإعلامها في التلفزيون الرسمي وإرشاداتها في حملات «إلا صلاتي».
مقالات
الكلفة الاجتماعية لبائعات الملابس الداخلية
04-02-2009