غسان شربل يدخل غابة الثوار والأسرار أسرار الصندوق الأسود... القذافي وراء خطف وزراء أوبك
22-09-2008
Ad
« لي في هذا العالم أصدقاء قساة. خطفوا طائرات، احتجزوا رهائن، زرعوا عبوات، زوّروا باسبورات وتحايلوا على المطارات، اختاروا أسماء مستعارة وعاشوا في ظلها، تمردوا على النظام وطاردوا العدو في كل مكان، وعادوا من الرحلة. هذا أصيب في روحه وقهرته الأيام، وذاك أصيب في جسده ويعيش مع الأدوية والذكريات، وثالث دفن على بعد آلاف الأميال من التراب الذي كان يناديه ».هكذا يقدّم رئيس تحرير « الحياة « غسان شربل لكتابه» أسرار الصندوق الأسود». والحقيقة أن الصندوق غابة من الأسرار وكنز من المعلومات، لأن الشخصيات التي حاورها غسان شربل على مدى سنوات كشفت ما اختبأ من التفاصيل وتذكرت ما لم تكترث له الصحافة التي انشغلت بدوي الأحداث خطفاً وقتلاً وتفجيراً ومؤامرات.الكتاب الذي يتناول سيرة أربعة رجال صنفوا في خانة الإرهاب هو الأول بلا شك الذي يؤرّخ على لسان «الأبطال»، باستثناء وديع حداد، ما فعلوه في مرحلة السبعينات والثمانينات من القرن العشرين. لكن الصحافي الباحث لم يكن ذاك الناقل الأمين فحسب بل ذاك المحقق الذي يفرض على المتحدث قول الحقيقة بلا نقص ولا تعديل لعلم الأخير بخبرة المستنطق وامتلاكه تقاطعات الأحداث كلها عبر أكثر من مصدر. وهو ما قام به صاحب الكتاب إذ أخذ الروايات وتفحصها وسأل معظم الأشخاص الذين ذُكروا فيها عن روايتهم الشخصية وواجههم بشتى الروايات.أنيس النقاش اللبناني البيروتي السني وجورج حبش الزعيم الفلسطيني التاريخي وكارلوس الفنزويلي الثائر، جميعهم عملوا تحت راية قضية واحدة، هي قضية فلسطين، وارتبطوا جميعاً بشكل أو بآخر بمؤسس «الإرهاب الحديث»، وديع حداد ذاك الطبيب الفلسطيني الذي فضل أن يعالج جرح وطنه بمبضع «المجال الخارجي» للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. فكان العقل المدبر لخطف وزراء أوبك في فيينا ولخطف الطائرات إلى مطار الثورة في عمان، ولعمليات كثيرة بعضها نجح وحقق أهدافه وبعضها فشل جاعلاً « أبو هاني « يبكي الرفاق.وديع حداد هو الخيط المحوري الذي يجمع الشخصيات كلها، بل نستطيع القول إنه مبرر باقي الروايات. جمع غسان شربل سيرته كما يجمع نثرات زجاج، جعل رفيقه حبش والنقاش وكارلوس يتحدثون عنه وعن علاقتهم به، وعن العمليات العسكرية التي هدفت إلى إطلاق دوي صاعق لتسمع آذان العالم كلها أن هناك شعباً مقهوراً يعيش في مخيمات وأن ثمة بلاداً اسمها فلسطين ترزح تحت الإحتلال.لم يكتف شربل بما هو عام في شخصية وديع حداد. جعل إبنه هاني يتحدث عن تجربة العيش في كنف والد يخوض صراعاً مع دولة وفي منزل تعرض للقصف المستهدف وعن تنقل مستديم بين الشقق في بيروت وصولاً إلى استقرار العائلة في بغداد.أما السر الكبير. كيف مات وديع حداد؟ فقد حاول الكاتب استجلاءه من عائلته ومن رفاقه المعلنين ومن أولئك الذين تحدثوا بلا صور ولا عناوين. لكن السر تراوح بين الرواية عن تسميمه بمادة الثاليوم إلى إصابته بنوع من السرطان عجزت الجزائر ثم مستشفيات ألمانيا الشرقية في ذلك الحين عن مداواته منه أو تأخير الأجل المحتوم المترتب عنه والذي حل في العام 1978.عالم «أسرار الصندوق الأسود» يبدو لنا في القرن الواحد والعشرين غرائبياً إلى حد كبير. رجال مصمّمون على تحقيق الأهداف، أشدّاء، وأذكياء. استفادوا من صراع الجبّارين لكنهم كثيراً ما عاندوا الحليف السوفياتي وكثيراً ما عادوا بخيبات.أنيس النقاش دفع الثمن سجناً عقداً من الزمن في باريس بتهمة محاولة اغتيال شهبور بختيار غير أن دوره في عملية فيينا لم يكتشف. أما زميله كارلوس وشريكه في خطف الوزراء. فهو لا يزال نزيل السجن الفرنسي محكوماً بالمؤبد... استثارته روايات الآخرين عن تواريخ صنعها أو شارك في صنعها، فشارك من زنزانته عبر محاميه في كتابة صفحات من الكتاب وأفشى سراً لم يكن معروفاً حتى الآن باعثاً برسالة إلى غسان شربل منشورة بخط يده في الكتاب تتهم الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي بالوقوف وراء عملية فيينا، وهو كلام لم يتطرق إليه أحد في السابق وكشف إعلامي مميز يضيء آخر جوانب العملية الكبرى التي خطط لها وديع حداد ونفذها كارلوس والنقاش وآخرون.كتاب غسان شربل يؤرخ عبر سيرة وديع حداد وشخصيات المجال الخارجي مرحلة من عمر القضية الفلسطينية ومنطقة الشرق الأوسط. وفيه من اللمسات الشخصية الممتعة ما يأسر القارئ فلا يرتاح قبل أن ينتهي من قراءة الكتاب. فيه على سبيل المثال أن شاباً كان يلملم الزجاج في إحدى الشقق في بيروت بعد غارة إسرائيلية في أوائل السبعينات على قيادات فلسطينية تبين أنه لم يكن سوى رفيق الحريري. سأل شربل الحريري عن الواقعة بعدما صار الأخير مليارديراً ورئيساً للوزراء في لبنان، فلم ينف وابتسم كمن يتذكر الجميل من الأيام! رسالة كارلوس بشأن عملية فيينامقر «أوبك»فيينا في الواحد والعشرين من كانون الاول/ ديسمبر 1975أنا اللاعب الوحيد في العملية الخارجية التاريخية للمقاومة الفلسطينية التي تميّزت ببعدها الدولي المجيد، إذ واكبتها منذ إعدادها مروراً بمراحلها كلّها، من التحضير الى التنفيذ والمتابعة في ما بعد، التنفيذ لا سيما على الصعيد الأمني واللوجستي والسياسي والدبلوماسي. وأنا مخطط هذه العملية وقائدها العسكري، وذلك يمنحني الكفاءة لسرد سيرها بأدق تفاصيلها.«العقل المدبر»: العقيد معمر القذافي.التنسيق الاستراتيجي: كمال خير بيك.الاعداد: الدكتور وديع حداد.التخطيط: إليش راميريز سانتشيز.التنسيق الخارجي: ويلفرد بوز.التنسيق العربي: أنيس النقاش.